كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)
وهذا قوله {فَلَا} أقسم ولو أنه لتأكيد (¬1) النفي المتأخر عن القسم على سبيل التكرار كما تقول والله لا أفعل كذا. {وَرَبِّكَ} قسم {لَا يُؤْمِنُونَ} لا يكونون مخلصين في الإيمان {حَتَّى} إلى أن يتحاكموا إليك ويرجعوا إلى قولك فيما التبس واختلط عليهم من الأمر بسبب الشجر، {ثُمَّ لَا يَجِدُوا} معطوفة على {يُحَكِّمُوكَ}، و (الحرج) الضيق ولذلك سمي موضع الشجر الملتف حرجًا {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ويفوضوا الأمر إليك تفويضًا.
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} قيل: لما رجع الزبير وخصمه حاطب ابن أبي بلتعة من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) مرّ خصمه على المقداد وقيل: على ثابت بن قيس وعنده يهودي فقال: لمن كان القضاء؟ قال: لابن عمته ولوى شدقه، ففطن اليهودي بذلك فقال (¬3): قاتل الله هؤلاء يزعمون أنّ محمدًا نبي ثم يتهمونه في حكمه ولا يرضون به، فقال المقداد أو ثابت: والله لو أمرني محمَّد أن أقتل نفسي لقتلت، ولو أمرني أن أخرج من (¬4) مالي لخرجت، فأنزل الله الآية (¬5). {إِلَّا قَلِيلٌ} هذا القليل عمار وابن مسعود (¬6)، {مَا يُوعَظُونَ بِهِ} ما يؤمرون به من أمر، وإنما قال: {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} لأنه مشقة يوجب راحة دائمة فهو خير من لذة عاجلة تؤدي إلى العقاب، {وَأَشَدَّ}
¬__________
(¬1) في الأصل: (للتأكيد).
(¬2) (صلى الله عليه وسلم) من "ب".
(¬3) في "ي" "ب": (وقال).
(¬4) في "ب": (عن).
(¬5) هذه الرواية لم أجدها بهذا السياق ولكني وجدت التالي:
- أما مخاصمة الزبير وحاطب فرواها ابن أبي حاتم (5559).
- ومن قوله: (مرّ خصمه على المقداد) إلى قوله: (ولا يرضون به) فعزاه ابن حجر في العجاب (2/ 907) للثعلبي.
- ومن قوله: (فقال المقداد أو ثابت) إلى نهاية القول. فهو عند الطبري (7/ 206، 207)، وابن أبي حاتم (5568) عن ثابت بن شماس.
(¬6) عزاه لهما مقاتل في تفسيره (1/ 205) وقيل: لما نزلت الآية قال رجل: لو أُمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافنا فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن من أمتي لرجالًا، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي" أخرجه ابن جرير (7/ 207).