كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)
قدرته (¬1) وعاد إلى عادته الخبيثة من الكفر والطغيان وأنكر على السحرة إيمانهم بغير إذنه، يري العالم أنهم (¬2) حيث لم ينظروا إذنه (¬3) ويريهم أنهم كانوا قد واطؤوا موسى -عليه السلام- في السرّ من قبل وأن دعوتهم واحدة، وهدّد السحرة بقوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ثم أتبعه التصريح بالوعيد، فقال: لأقطعن أيديكم لعلهم يخافونه، وإنما اجترأ على السحرة لما شاهد من عجزهم، أو لأنه علم أنهم لا يسحرونه بعد إيمانهم، أو لأنه كان يعلم من قبل أنهم مموّهون.
{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)} في مجادلتهم فرعون دلالة على أن قدرتهم رجعت إليهم فآمنوا اختيارًا بعد ما سجدوا اضطرارًا، وإنما علموا أنهم صائرون إلى الله تعالى لما ألقى الله في قلوبهم من الإلهام.
{وَقَالَ الْمَلَأُ} الأشراف {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} لما شاهدوا الآيات ورأوا إيمان السحرة وسمعوا مقالة خربيل النجار خافوا الانتشار من رعاياهم فأنكروا على فرعون تركه موسى وقومه مطلقين سالمين فقالوا: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ ... وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} أي ويخلعك نصب عطفًا على التفسير وفي مصحف أُبي {وقد تركوك وآلهتك} (¬4) أصنامك التي نصبتها ليتقرب الأقاصي بها إليها يدل عليه قوله {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] وقرأ ابن عباس {وإلاهتك} (¬5) يعني عبادتك، فقال فرعون: {سَنُقَتِّلُ} سنستمر فيهم على عادتنا قتل البنين وترك البنات، ولم يتجاسر على أكثر (¬6) من ذلك لما يتخوف من تحريك الساكن في تغيير العادة {قَاهِرُونَ} متسلطون عليهم.
¬__________
(¬1) في الأصل و"أ": (نذرته).
(¬2) في الأصل و"أ": (بياض).
(¬3) في الأصل و"أ": (إذن).
(¬4) ذكره الفراء في معاني القرآن (1/ 391)، والكرماني في شواذ القراءات ص 192، وذكر
أنها قراءة ابن مسعود أيضًا.
(¬5) أبو عبيد (172)، وابن جرير (1/ 122) (10/ 368، 369)، وابن أبي حاتم (8819، 8820)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 502) للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في "المصاحف" وأبو الشيخ.
(¬6) في الأصل "أ": (أكفر).