كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

ففروا فلما رجعوا إلى المدينة استجبنوا من الناس، فسألوا رسول الله: أنحن الفرارون؟ قال: "بل أنتم العكارون وأنا فئتكم". قال ثعلب: العكارون العطافون (¬1)، ثم يحتمل أن الآية مجملة لا يمكن العمل بظاهرها، وتفسيره {مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65] ويحتمل أنها كانت عامة يمكن العمل بظاهرها عند الإتيان على النفس، ثم خصّصها قوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ}، ثم نسخت تلك الآية بقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66].
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} نفي هذه الأفعال عن فاعلها وإسنادها إلى الله من جهة وقوعها يومئذ معجزة إلهية خارجة عن طوق البشر والرسم الموضوع المعهود. روي أن النبي -عليه السلام- (¬2) أخذ كفًا (¬3) من حصى الوادي يوم بدر ورمى به في وجوه القوم وقال: "شاهت الوجوه" (¬4)، وروى الزهري عن ابن المسيب أنه -عليه السلام- رمى يوم أحد أُبيَّ بن خلف (¬5)، وعن عبد الرحمن بن جبير أنه -عليه السلام- دعَا بقوس في محاربة اليهود فرمى عليها بسهم إلى الحصين فأصاب كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فقتله (¬6)، {وَلِيُبْلِيَ} معطوف على مضمر تقديره: ليهلكهم {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ}.
{ذَلِكُمْ} الذي سمعتم حق أو صدق واعلموا أن الله، ويجوز أن
¬__________
(¬1) قريبًا منه عند البخاري في "الأدب المفرد" (972)، وأحمد (2/ 70، 86، 100، 110)، وسعيد بن منصور في سننه (2539)، وابن سعد (4/ 145)، وابن أبي شيبة (12/ 535، 536)، وأبو داود (2647، 5223)، والترمذي (1716)، وابن ماجه (3704)، وابن أبي حاتم (5/ 1671) والحديث فيه ضعف.
(¬2) (السلام) ليست في "ي".
(¬3) في الأصل: (أخذها).
(¬4) الطبري (11/ 84، 85)، وابن أبي حاتم (5/ 1672)، والطبراني في الكبير (3128) وغيرهم، وسنده حسن.
(¬5) الطبري (11/ 87)، وابن أبي حاتم (5/ 1673).
(¬6) ابن أبي حاتم (5/ 1673).

الصفحة 835