كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

{الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ} نزلت في بني قريظة نقضوا العهد مرة بعد أخرى (¬1) و (الذين) بدل عن الذين في الآية الأولى وهو إبدال البعض من الكل (¬2) (شرد بهم) التشريد التفريق والتنكيل.
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ} الخوف العلم أو غلبة الظن {خِيَانَةً} مكر المعاهدين {فَانْبِذْ} العهد إليهم جهرًا {عَلَى سَوَاءٍ} حال كقوله: {وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] تقديره كائنًا أو كائنين على سواء في العداوة.
{لَا يُعْجِزُونَ} للإعجاز معنيان أحدهما أن تفعل فعلًا يعجز عنه غيرك، والثاني أن تفسير إلى حال يعجز غيرك عن الاستيلاء عليك.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} به (¬3) {مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} عام في كل ما يتقوى به على الأعداء من سلاح وكراع، وعن عقبة بن عامر قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} "الرمي (¬4) لهو المؤمن في الخلاء (¬5) وقوته عند اللقاء" (¬6)، قال: ومات عقبة فأوصى بتسعين قوسًا كل قوس قرنها وسهامها في سبيل الله (¬7)، قال: قرنها سيف، فقال: قرن الرجل إذا تقلد سيفه وتنكب قوسه، وعن عقبة قال: إن الله
¬__________
(¬1) روي ذلك عن مجاهد قال: هم قريظة مالؤوا على محمَّد يوم الخندق أعداءه. أخرجه الطبري في تفسيره (11/ 235)، وابن أبي حاتم (1719)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (3/ 191) إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ.
(¬2) هذا أحد الأوجه في إعراب {الَّذِينَ عَاهَدْتَ} [الأنفَال: 56] والوجه الثاني: الرفع على الابتداء، والخبر قوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} [الأنفَال: 57] ودخلت الفاء في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط كما هو ظاهر كلام ابن عطية. [المحرر (8/ 92)].
(¬3) (به) ليست في "ب".
(¬4) (الرمي) ليست في الأصل و"ب".
(¬5) (الخلاء) بدلها بياض في الأصل و"ب".
(¬6) المعروف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الآية، وقال: "ألا إن القوة الرمي" أخرجه مسلم (1917). وهناك رواية أخرى يقول: "إن كل لهو لهى به المؤمن باطل إلا في ثلاث: رمية الصيد بقوسه .. ".
(¬7) الذي ذكر في ترجمة عقبة أنه ترك ثمانين قوسًا، وفي رواية بضع وستون أو بضع وسبعون، وانظر تاريخ ابن عساكر (40/ 502).

الصفحة 850