كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)
{بِالْهُدَى} الأصل وبـ (دين الحق) الفرع إن شاء الله، ويحتمل بـ (الهدى) الفرقان وبـ (دين الحق) الإسلام، وقيل: هما واحد، واختلاف اللفظين، {لِيُظْهِرَهُ} لينصر (¬1) أهله على أهل الأديان كلها وليجعله أبين وأوضح من سائر الأديان، وقد كان بحمد الله.
وإنما أخبر عن حال الأحبار والرهبان ليبين أنهم ليسوا معصومين كالأنبياء، ويجوز تصديقهم وتقليدهم (¬2) من غير مطالبة بالدليل والأكل والأخذ والإمساك ولذلك ابتدأ وقال: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} وهم المرادون بهذه الصفة المشروطة، و (الكنز) (¬3) كل مال مدّخر لا ينفق، والاكتناز الاجتماع، والهاء في {يُنْفِقُونَهَا} عائدة إلى الأموال والكنوز، وقيل: إلى الذهب، وقيل: إلى الفضة وحدها (¬4) على ما قدمنا، وجواب الشرط {فَبَشِّرْهُمْ}.
{يَومَ} نصب على الظرف والعامل العذاب لا البشارة، {يُحْمَى} يولد الحرارة، ويحتمل أن يحيى الذهب على الفضة في نار جهنم، ويحتمل يحيى شيء من الحطب والفحم على كنوزهم في نار جهنم حتى يصير نارًا، و (الكي) إمساس البشرة شيئًا حاميًا لينًا وثوبه يحترق، و (الجبهة) ما فوق الأنف، وكيها أقبح وأبلغ في العلامة، وكي الجنوب
¬__________
(¬1) في الأصل: (ليصغر).
(¬2) في "ب": (كالأنبياء فيجوز تقليدهم وتكذيبهم وتصديقهم).
(¬3) في "أ": (وأكثر).
(¬4) ذكر الزجاج القولين المشهورين في توجيه هذه الآية:
الأول: أن الضمير يرجع إلى الكنوز والأموال.
والثاني: أنه يرجع إلى الفضة، وحذف الذهب لأنه داخل في الفضة ومنه قول عمرو بن امرئ القيس:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مختلفُ
التقدير: نحن بما عندنا راضون.
وقال الفراء: إن شئت اكتفيت بأحد المذكورين كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} [النساء: 112]، وقوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].
[معاني القرآن للزجاج (1/ 434)، زاد المسير (2/ 255)].