كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

فبين الله أنه أذن خير وصلاح ورحمة يؤمن بما يخبره الله ويشهد للمؤمنين بالصدق، وليس أذن شر وفساد ليصدق المنافقين في أعذارهم الكاذبة (¬1).
{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} نزلت في جماعة من المنافقين كانوا قعدوا فيهم غلام من الأنصار، وقيل: زيد بن أرقم، وقيل: عامر بن قيس، فقال بعض المنافقين: إن كان ما يقوله محمَّد حقًا فإنّا شرٌّ من حمار، وقال له المؤمن: والله إن ما يقوله محمَّد لحق وإنكم لشر من حمير، فخاصمهم وخاصموه ثم رافعهم إلى رسول الله (¬2) وأخبره بمقالتهم وأنكروا وحلفوا فاستحى المؤمن من ذلك، وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى تفرق الصادق من الكاذب فأنزل (¬3)، قيل: واعترف الجلاس فاستغفر له (¬4) النبي -عليه السلام- (¬5) فخلص وحسُن إسلامه (¬6). و (إرضاء الله) لفظ مجاز (¬7) وحقيقته إتيان ما يرضاه الله من الفعل والتغيير حاصل في مبتغى الرضا دون الله.
{يُرْضُوهُ} عائد إلى الله، وقيل: إلى رسوله (¬8)، وهذا لكراهة الجمع
¬__________
(¬1) قريبًا من هذا ذكره عن السدي ابن أبي حاتم (6/ 1826).
(¬2) في "ب ": (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
(¬3) ذكره ابن أبي حاتم (6/ 1828)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (3/ 460) عن السدي. وذكر فقط عامر بن قيس.
(¬4) في "أ": "لهم".
(¬5) (السلام) ليست في "ي".
(¬6) الجلاس بن سويد بن الصامت الأنصاري كان من المنافقين ثم تاب وحسنت توبته وإسلامه، وهو ممن تخلف في غزوة تبوك حتى نزل فيهم قرآن، وهو معدود في الصحابة الكرام -رحمه الله -.
[الإصابة (1/ 599)، أسد الغابة (769)، الاستيعاب (354)].
(¬7) لأن المؤلف أشعري فهو يؤول كل صفة لله باستثناء الصفات الثمانية التي يثبتها الأشاعرة.
(¬8) الأظهر أنه عائد عليهما جميعًا، أي أن الضمير عائد على الله وعلى رسوله لأن رضاء الله ورسوله شيء واحد من أطاع الرسول فقد أطاع الله. وقيل: إن الضمير عائد على المئنى بلفظ الواحد بتأويل المذكور، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
فيها خطوط من سوادٍ وبَلَقْ ... كأنهُ في الجلد تَوْليْعُ البَهَقْ
أي كان ذاك المذكور. =

الصفحة 896