كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

{وَعَدَ اللَّهُ} أوعد (¬1) الله.
{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} التشبيه للوعيد عند الزجاج (¬2)، ولأفعالهم عند الفراء (¬3)، ويحتمل اللعن والعذاب المقيم، ويحتمل لكون بعضهم من بعض، ويحتمل النسيان والفسوق، و (الاستمتاع بالخلاق) هو الاستمتاع بالرزق على غير الوجه المباح المأذون في الشريعة؛ كاستخراج الخمر من العنب، ولبس الديباج والذهب، وإمساك النرد والشطرنج للعب، واتخاذ المعازف واتخاذ القينات وإخصاء الغلمان ونحوها، {كَالَّذِي خَاضُوا} أي: كخوضهم الذي خاضوا (¬4).
{أَلَمْ يَأْتِهِمْ} استفهام على سبيل التقرير والإثبات وحث على اعتبار
¬__________
= وعليه عامة المفسرين كالطبري وابن كثير والبغوي وغيرهم؛ ولأن حقيقة النسيان التي هي الذهول عن الشيء وعدم تذكره صفة نقص يتنزه عنها المخلوق فضلًا عن الخالق، وقد استعمل الله النسيان بمعنى الترك في موضع آخر من كتابه، فقال: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34].
[تفسير الطبري (11/ 549)، ابن كثير (2/ 455)، زاد المسير (2/ 276)].
(¬1) الأصل أن وعد غير أوعد، فالأولى تستعمل في الخير، والثانية تستعمل في الشر، وتقدم الكلام على هذا ومنه قول الشاعر:
وإني إذا ما أوعدته أو وعدته ... لمُخْلِف ميعادي ومنجز موعدي
أما في هذه الآية: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ ...} [التوبة: 68]، فوعد هنا بمعنى أوعد كما قال المؤلف.
(¬2) انظر: معاني القرآن للزجاج (2/ 510).
(¬3) انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 446).
(¬4) أي أن "الذي" تفع مصدريه وهذا مذهب الفراء ويونس، والتقدير: وخضتم خوضاَ كخوضهم، ومنه قول الشاعر:
فَثَبَّتَ اللهُ ما آتاك مِنْ حسنٍ ... في المرسلين ونَصْرًا كالذي نُصِروا
أي: كنصرهم.
وهناك أوجه أخرى منها: أن "الذي" صفة لمفرد مُفْهِمٍ للجمع، والتقدير: وخضتمِ خوضًا كخوض الفريق الذي خاضوا، وقيل: الكاف كالتي قبلها وحذفت النون تخفيفًا أو وقع المفرد موقع الجمع.
[معاني القرآن للفراء (1/ 446)، الدر المصون (6/ 84)].

الصفحة 900