كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

نعمة الله فذكر الله حالهم ذلك، وسئل الحسين بن الفضل (¬1) عن قولهم: اتق شر من أحسنت إليه هل يوجد في القرآن، فقال: نعم وذلك قوله: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}. {فَإِنْ يَتُوبُوا} تطميع لهم في التوبة، قيل: لما سمع الجلاس هذه الآية قام وتاب إلى الله ورسوله فاستغفر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالًا، قال: "ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه"، قال: ثم رجع إليه فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالًا، فقال: "ويحك يا ثعلبة أما ترضى أن تكون مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله لو سألت أن تسيل علي الجبال ذهبًا لسالت"، ثم رجع وقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني الله مالًا، والله لئن آتاني الله مالًا لأوتين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم ارزق ثعلبة مالًا"، فاتخذ غنمًا فنمت حتى ضاقت بها أزقة المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلوات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يخرج (¬2) إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة فتنحى بها وكان يشهد الجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يخرج إليها، ثم نمت فاشتغل بها وترك الجمع والجماعات وجعل يتلقى الركبان، فقال: وما وراءكم من الخبر وما كان من أمر الناس؟ فأنزل الله على رسوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] قال: واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصدقات رجلين رجلًا من الأنصار ورجلًا من بني سليم وكتب لهما الصدقة وأسبابهما وأمرهما أن يصدّقا الناس وأن يمرا بثعلبة فيأخذا من صدقات (¬3) ماله، ففعلا حتى دُفعا إلى ثعلبة، فقال: صدّقا الناس فإذا فرغتما فمرّا
¬__________
(¬1) هو الحسين بن الفضل بن عمير البجلي النيسابوري، إمام لغوي محدث، توفي سنة 282 هـ بعد أن عمّر أكثر من مائة سنة.
وقوله هذا ذكره القرطبي في تفسيره (8/ 188)، والسيوطي في "الإتقان" (2/ 346).
(¬2) في "ب" "ي": (خرج).
(¬3) في "ب" "ي": (الصدقة).

الصفحة 903