كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

{نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} كان المنافقون إذا رأوا رسول الله قد غشي عليه ليوحى إليه نظر بعضهم إلى بعض يتفقدون المسلمين المخلصين هل يجدونهم ناظرين إليهم متبعين أحوالهم فإن وجدوهم كذلك سكنوا ونكسوا رؤوسهم وقعدوا كارهين، وإن لم يجدوهم كذلك تفرعنوا بعقولهم وانصرفوا خوف الفضيحة فأنزل الله الآية فيهم (¬1)، وقوله: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} يجوز أن يكون على وجه الإخبار ويجوز أن يكون على وجه الدعاء.
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} عن أبي بن كعب، قال: آخر آية نزلت على رسول الله (¬2)، {لَقَدْ جَاءَكُمْ} الآية، {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أي: من العرب (¬3)، قال الزجاج (¬4): معناه أنه بشر مثلكم وفي الشواذ {أَنْفُسِكُمْ} (¬5) من النفاسة وهي الكرم والرفعة والقدر، {عَنِتُّمْ} أثمتم (¬6) تقول: عزّ عليَّ ما نزل بك، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} على إيمانكم ورشدكم، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} مثل قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159] في الحديث: "أن النبي (¬7) لم ينتصر من مظلمة ظلمها قط ما لم تنتهك
¬__________
(¬1) ابن جرير (12، 95/ 96)، وابن أبي حاتم (6/ 1916).
(¬2) في "ب": (رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(¬3) ابن سعد (1/ 21)، وابن عساكر (2/ 382، 383).
(¬4) ذكره الزجاج في معاني القرآن (2/ 477).
(¬5) انظر: شواذ القراءات للكرماني (ص 223) وشواذ ابن خالويه (ص 56) عزاها ابن الجوزي في "زاد المسير" لابن عباس وأبي العالية والضحاك وابن محيصن ومحبوب عن أبي عمرو.
(¬6) الأصل في معنى العنت هو المشقة والشدة، وما ذكره المؤلف هو رواية أبي صالح عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: شديد عليه ما آثمكم، والرواية الثانية عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: شديد عليه ما شق عليكم رواها الضحاك عنه، ذكر ذلك ابن الجوزي في تفسيره، وذكر الطبري في تفسيره رواية ثالثة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: {مَا عَنِتُّمْ} ما ضللتم، ورجحها الطبري، وقال: هي أولى القولين في ذلك بالصواب.
[الطبري (12/ 98)، زاد المسير (2/ 313)].
(¬7) في "ب": (الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم).

الصفحة 934