كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)
وعن أبي جُحيفة قال: قالوا: يا رسول الله نراك قد شبت! قال: "شيبتني هود أخواتها" (¬1).
وأعلم أنّ المعنى المشيب لرسُول الله إما سر من أسرار الله تعالى في القرآن العظيم (¬2) لم يطلع عليه إلا نبيه، وإما أحد الأشياء الأربعة:
أحدها: أنّ بعض السور اختصت بالاسترقاء، وبعضها بالثقل، وبعضها بالتعوذ، وبعضها بتلقين الموتى، وهذه السورة بالترهيب والنكت اللطيفة، كما بلغنا أنّ بعض أهل الإلحاد (¬3) تصور له أنه يحاكي القرآن بهذيان، فلما انتهى إلى قوله: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} انشقت مرارته.
والثاني: أن هذه السور كلهنَّ مكيات فلعلهن (¬4) نزلنَ أيام النفير إلى الشعب (¬5) وأيام وفاة خديجة وأبي طالب، فقوله: "شيبتني هود وأخواتها" مِن كثرة ما لقي (¬6) من مكروه المشركين.
والثالث: أن نزول الوحي عليه قد كان سهلًا، وقد (¬7) كان ثقيلًا، روي أن النبي -عليه السلام-: "كان إذا نزل عليه الوحي يترَبد (¬8) وجهه ويجد بردًا
¬__________
(¬1) رواه الطبراني في الكبير (22/ 123) (318)، وأبو يعلى (880)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 350)، وابن عساكر (4/ 173) وسنده ضعيف، وفي المخطوطات أبو حذيفة وهو خطأ.
(¬2) (العظيم) من "أ" فقط.
(¬3) نقل القاضي عياض في "الشفا" (208) شيئًا من ذلك عن ابن المقفع. وانظر أيضًا "روح المعاني" للألوسي (12/ 63).
(¬4) في "ب": (فكأنهن).
(¬5) (الشعب) ليست في "أ" "ي".
(¬6) (ما لقي) ليست في "ب ".
(¬7) في "أ": (كان سلا وكان).
(¬8) أي تغير إلى الغبرة وهي لون قريب من السواد كما في لسان العرب مادة (ربد)، والنهاية في غريب الحديث (2/ 455).