كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)
{وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} أي ضاق ذرعه بهم، ذرعه: طاقته (¬1) واستطاعته {عَصِيبٌ} شديد.
{يُهْرَعُونَ} يستحثون ويزعجون على سرعة والمستحث المزمع قضاء الله وقدره {يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أفعالهم الخبيثة {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} إشارة إلى نسائهم، وإنما دعاهن بنات على سبيل التلطف في الخطاب إذ (¬2) النبي من أمته بمنزلة الأب من أولاده (¬3) ألا ترى أن لوطًا لم يكن له إلا اثنتان (¬4) ويحتمل أنه كان له بنات غيرهما فعرضهن -عليه السلام- (¬5) بالتزويج (¬6). وكان ينعقد النكاح بين الكفار والمسلمين حينئذ (¬7)، ويحتمل أن لوطًا عبَّر عن ابنتيه بالبنات وعرضهما على رئيسين ليمنعا الباقين، و (الضيف) النازل عند الإنسان بزاده.
{مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} ليس لنا في بناتك من حاجة (¬8) ومراد،
¬__________
(¬1) قال الفراء: الأصل فيه: وضاق ذرعه بهم، فنقل الفعل عن الذَّرْع إلى ضمير لوط، ونصب الذرع بتحويل الفعل عنه كما قال: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] أي: اشتعل شيب الرأس. وكما ذكر المؤلف من حيث المعنى أنها تطلق على الجهد والطاقة ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
تَعَلَّمَنْ ها لَعَمْرُ اللهِ ذا قَسَمًا ... فاقدِرْ بِذَرْعِك وانظر أين تَنْسَلِكُ
[زاد المسير (2/ 389)، ديوان زهير بن أبي سلمى (ص 182)].
(¬2) المثبت من "ب"، وفي البقية: (أو النبي).
(¬3) يشهد لذلك قوله تعالى في قراءة ابن مسعود "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبِّ لهم"، وهذا مذهب مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وابن جريج.
[تفسير الطبري (12/ 504)].
(¬4) في "أ": (ابنتان).
(¬5) (السلام) ليست في "ي".
(¬6) وهذا قول ابن عباس - رضي الله عنهما - أنهن بناته لصلبه ذكره ابن الجوزي في تفسيره.
[زاد المسير (2/ 390)].
وكون لوط -عليه السلام- له ابنتان وعبر عنهما بصيغة الجمع، فهذا جائز في لغة العرب ومنه قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78].
(¬7) في "ي" "أ": (يومئذ).
(¬8) في "أ": (جامعة).