كتاب مناظرات ابن تيمية لأهل الملل والنحل

له غرض في فهمه، بل قصده مجرد الردّ له، فهذا إذا نوظر بالحجة انقطع وانكف شرّه عن الناس.
وإما أن يكون الحق قد التبس عليه، وأصل قصده الحق، لكن يصعب عليه معرفته لضعف علمه بأدلة الحق، مثل من يكون قليل العلم بالآثار النبوية الدالة على ما أخبر به من الحق، أو لضعف عقله، لكونه لا يمكن أن يفهم دقيق العلم، أو لا يفهمه إلا بعد عسر، أو قد سمع من حجج الباطل ما اعتقد موجبه، وظن أنه لا جواب عنه، فهذا إذا نوظر بالحجة أفاده ذلك، إما معرفة بالحق، وإما شكاً وتوقفاً في اعتقاده بالباطل، وبقيت همته على النظر في الحق وطلبه.." (¬1) .
وأكّد على الجمع بين جدال الكفار وقتالهم، وأنه لا منافاة في حقهم بين الجدال المأمور به، وبين القتال المأمور به (¬2) ، فكان مما قاله: "وأما مجاهدة الكفار باللسان، فما زال مشروعاً من أول الأمر إلى آخره، فإنه إذا شرع جهادهم باليد، فباللسان أولى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم " (¬3) وكان ينصب لحسّان منبراً في مسجده، يجاهد فيه المشركين بلسانه جهاد هجو، وهذا كان بعد نزول
¬_________
(¬1) . الدرء 7/ 167، 168 = باختصار
(¬2) . انظر الجواب الصحيح 1/67
(¬3) . أخرجه أبو داود، ك الجهاد ح (2504، وأحمد 3/124، والحاكم 2/81، وصحح النووي إسناده في رياض الصالحين ح (1349) .

الصفحة 11