كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

وأراد بقوله شنج الأنساء: الظبي، وجعله نباحاً لأنهم يذكرون أن الظبي إذا أسن أشبه صوته نباح الكلب. حكى ذلك ابن القزاز في معاني الشعر، وأنشد في صفة ظبي:
وينبح بين الشعب نبحاً تخاله نباح سلوق أبصرت ما يريبها.
وروى بعضهم (نباج) بالجيم، وهو الشديد الصوت، ويروى (الشعب) بضم الشين، وكذا أنشده ابن قتيبة في معاني الشعر، ويروى (الشعب) بكسر الشين، فمن ضم الشين ففيه وجهان: أحدهما أن يكون جمع أشعب، وهو المفترق القرنين، فيكون في البيت تقديم وتأخير، كأنه قال: وقصرى شنج الأنساء من الشعب، أي الظباء الشعب. والوجه الثاني أن يكون الشعب: جمع شعبة، وهي رأس الجبل، فيكون معناه: ينبح من رأس الجبل.
والشعب، بكسر الشين: الطريق في الجبل، والروايتان سواء في أن ذكر الشعب والشعب من الحشو الذي لا يحتاج إليه، وأكثر ألفاظ هذا البيت حشو، وموضوعة على غير الوجه المختار، ألا ترى أن هذا البيت بكماله يساوي قول امرئ القيس (له أيطلا ظبي) فصدر بيت امرئ القيس قد أفادما أفاده بيت أبي داود كله، ثم تمم بيته بمعان آخر، وسلم بيته من الحشو. وكذلك (شنج الأنساء): كلام موضوع على غير الوجه المختار، لأنه أراد: وقصرى ظبي شنج الأنساء، فحذف الموصوف، وأقام صفته مقامه. وشنج الأنساء: صفة لا تخص الظبي دون غيره، وإنما تحسن إقامة الصفة مقام موصوفها إذا كانت مختصة به،

الصفحة 115