كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

شبه بعرق الشجرة. ومن نصب (غيرا) جعله مستثنى منقطعا، ليس من الأول لأن العرق الكريم، والامتناع من الخط على النمل ليس من العيوب، ومن رفع (غيرا) وجعله مردودا على موضع الاسم المنصوب بلا التبرئة، جعل ذلك من العيوب مجازا، كما تقول: ما في فلان عيب إلا السخاء. والمعنى أنه لا عيب فيه البتة، إلا أن يعتقد معتقد أن السخاء من العيوب، فيكون سخاؤه عيبا.
وأصحاب المعاني والنقد يجعلون هذا الاستثناء من محاسن الشعر وبديعه، كما يجعلون الطباق والتجنيس والتصدير والترصيع، ونحوها مما هو مشهور عند نقاد الكلام وجها بذته. والوجه في استعمال العرب هذا الاستثناء: أن اللثيم الطبع من الناس، لما كان مضادا للكريم الطبع، صار يعتقد في المحاسن أنها قبائح، وفي القبائح أنها محاسن، فيعتقد في السخاء أنه تبذير، وفي الشجاعة أنها هوج، وفي الحلم أنه ذل، ويرى أن الصواب والسداد في أضدادها.
ويروى أن رجلا قال للأحنف بن قيس ما أبالي: أمدحت أم هجيت فقال له الأحنف: استرحت يا أخي من حيث تعب الكرام.
وحرف الجر الذي في آخر البيت، متعلق بنخط، فلا موضع له، لتعلقه بالظاهر. وحرف الجر الذي في أول البيت متعلق بخبر لا التبرئة المقدر، فله موضع، لتعلقه بمحذوف. ومن رفع (غيرا) أجاز أن يكون مرتفعا على خبر لا التبرئة، ويكون (فينا) في موضع الصفة لعيب، وجاز أن يكون صفة لعيب

الصفحة 13