كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

البيت لهدبة بن خشرم العذري يخاطب به زوجه حين أريد أن يقتل، وقبله:
أقلى على اللوم يا أم بوزعا ... ولا تجزعي مما أصاب فأوجعا
ويجوز خفض الوجه ونصبه ورفعه. وأقوى الوجوه فيه الخفض، وأضعفهما الرفع، فمن خفض الوجه، جعل القفا في موضع خفض، على حد قولهم: زيد حسن الوجه، ومن نصبه، جعل القفا في موضع نصب، على التشبيه بالمفعول، على حد قولهم زيد حسن الوجه. والكوفيون يجيزون نصبه على التمييز، ولا يجيزه البصريون لأن التمييز عندهم لا يكون إلا نكرة. ومن رفع الوجه، ففيه وجهان: أحدهما أن يكون القفا في موضع رفع، والوجه عطف عليه. وهذا الذي ذكرنا أنه أضعف الوجوه، يكون على حد قولهم: مررت برجل حسن الوجه. وأكثر البصريين يقولون تقديره: حسن الوجه منه، فحذف الضمير لما فهم المعنى. والكوفيون يقولون إن الألف واللام عاقبتا الضمير، وسدتا مسده، وكان الفارسي يأبى هذين التأويلين جميعاً، ويضمر فيحسن ضميراً يرجع إلى الرجل، ويجعل الوجه بدلاً منه.
والقول الثاني في البيت: أن يكون الوجه مرفوعاً بالابتداء، وليس بأنزعا في موضع خبره، فيكون موضع الجملة على هذا التأويل رفعا، وفي الوجوه المتقدمة يكون موضعها نصباً على الصفة لأغم. ونظير هذا البيت قول النابغة:
ونمسك بعده بذناب عيش ... أجب الظهر ليس له سنام
يروى برفع الظهر ونصبه وخفضه. وقوله (إن فرق الدهر بيننا) شرط لا جواب له، لأن ما قبله أغنى عنه، وسد مسده، لأن معناه عن فرق الدهر بيننا فلا تنحي، فصار بمنزلة أنا أشكرك إن أحسنت إلى.
* * *

الصفحة 140