كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

وأنشد في باب فروق في الإنسان:
(96)
(فجاءت كسن الظبي لم أر مثلها ... سناء قتيل أو حلوبة جائع)
هذا الشعر لأبي جرول الجشمي، واسمه هند، يقوله في رجل من أهل العالية قتل، فحكم أولياؤه في ديته، فاشترطوا أن يعطوا الدية كلها إبلاً ثنيانا، فدفعت إليهم على اقتراحهم، فقال أبو جرول هذا الشعر. وبعد هذا البيت:
تقطع أعناق التنوط بالضحا ... وتفرس في الظلماء أفعى الأجارع
مضاعفة شنم الوارك والذرا ... عظام مقيل الهام جرد المذارع
قوله (جاءت كسن الظبي) أي ثنيانا، وقد فسره ابن قتيبة، والسناء: الشرف. والحلوبة الناقة التي تحلب، وكذلك الشاة. يقول: لم أر مثلها شرفاً لقتيلن لأن اقتراح الأولياء أن يأخذوها كلها ثنيانا، إنما كان لجلالة المقتول، وعظم قدره. والتنوط: طائر يعلق عشه من الشجر في أرفع موضع منها، وفيه لغتان: تنوط بضم التاء وفتح النون وكسر الواو وتنوط بفتح التاء والنون وضم الواو فأراد أنها طوال الأعناق تصل رؤوسها لطول أعناقها وأشرف خلقها إلى الموضع الذي يعشش فيه التنوط، فتفسد عشه الذي علقه. وقوله: (وتفرس في الظلماء أفعى الأجارع) الأجارع: رمال سهلة، واحدها أجرع. وتفرس: تدق. يريد أن أخفافها مجمدة صليبة، تطأبها الأفاعي فتقلبها، ولا تبالي بلسعها. وقوله (مضاعفة) يريد أن عليها طاقات من الشحم مركبة، بعضها فوق بعض كما قال امرؤ القيس:

الصفحة 141