كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

وصدره: (لقي حملته أمه وهي ضيفة) يهجو بهذا الشعر جرير بن عطية الخطفي. واللقى: كل شيء يطرح ولا يلتفت إليه. واليتن الذي يخرج رجلاه عند الولادة قبل رأسه، وكانوا يتشاءمون به، لخروجه مقلوباً، لأن الولادة المستقيمة أن يخرج رأس المولود أولاً، وإذا خرج كذلك سهلت ولادته على أمه، لأن ذراعيه تنضمان إلى جنبه، فينخرط من الرحم في سرعة، وإذا خرجت رجلاه أولا، تجافت ذراعاه عن جنبيه، فاعترض في رحم أمه، فربما كان سبب هلاكها. وقوله: (حملته أمه وهي ضيفة) يريد أن أمه حملت به وقد دعيت إلى ضيافة فجاء حريصاً على الضيافات، محباً في الدعوات. وأشار بذلك على زنى أمه، وكونه لغير رشدة. ويروى (فجاءت بنز من نزالة أرشما) والنز: الخفيف. والنزالة: ما ينزل من المنى في الرحم. وهذه الرواية أبلغ في الهجو، لأنه أراد أن يكون من منى رجل أرشم، فغلب عليه شبه أبيه، فجاء أرشم مثله. وفي معنى هذا البيت وإعرابه إشكال شديد، لأنه قال قبل هذا البيت يخاطب جريراً:
فإنك قد جاريت سابق حلبة ... نجيب جياد بين فرعين معلما
لزاز حضار يسبق الخيل عفوه ... على الدفعة الأولى وفي القعب مرجما
ثم قال (لقي حملته أمه) البيت. وقال بعده:
مدا من جوعات كأن عروقه ... مسارب حيات تسربن سمسما
فألقى عصا طلح ونعلا كأنها ... جناح سماني صدرها قد تجذما

الصفحة 146