كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

فمن روى (فجاءت بيتين) جعله هجوا، وجعل قوله لقي منادي، أراد يالقي، وكان حكمه أن يكون مرفوع الموضع، لأنه قصد به جريراً، ولكن لما كان ما بعده من صفته، أشبه المضاف إليه لطوله، فنصبه وصار بمنزلة قولك (يا خيراً من زيد) ويدل على أنه في موضع نصب، تنوينه إياه، ومن روى (بنز من نزالة أرشما) ففيه إشكال: قال قوم: هو هجو، وهو الظاهر من أمره. وقال قوم: هو مدح، وهو من صفة نفسه، لا من صفة جرير، واحتجوا بالبيتين اللذين قبله، وجعلوا (لقى) صفة لقوله لزاز حضار، وقالوا معنى قوله في صفة نفسه (لقى) أنه لم ينعم عيشة، ولا كان ممن يميل إلى الرفاهية والدعة. قالوا: وأراد بقوله (وهي ضيفة) أنها كانت ضيفة، فامتنعت عليه، فنكحها كرها، فغلبها على شبه الولد، فجاء مذكرا. قال أبو كبير الهذلي:
حملت به في ليلة مزءودة ... كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل
والأرشم هنا: الذي قد تغير وجهه واسود، لكثرة أسفاره. وقوله (مُدا من جوعات) يريد أن همه ليس في المآكل والمشارب، غنما هو في طلب المعالي، وهذا نحو قوله:
لا يتأرى لما في القدر يرقبه ... ولا يعض على شرسوفه الصفر
ويجوز أن يريد. أنه يؤثر الضيف على نفسه، فيكون كقول حاتم:
لقد كنت أختار القرى طاوي الحشا ... محافظة من أن يقال لئيم

الصفحة 147