كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

يركب فيه، فيغني أول رجل يلقاه، فلقي عبيداً يوم بؤسه، فترك قتله، ليستمع بإنشاده وحديثه بقية يومه، ثم ينفذ فيه سنته في غيره. فقال له: أنشدني. فقال: (حال الجريض دون القريض). ثم قال له: أنشدني. فقال: 0 هي الخمر تكنى الطلا) البيت. يريد أن اعتاده فيه ضد ما يظهره من التحفي به، والتأنيس له، كما يكنى الذئب أبا جعدة، وجعدة: الشاة، وليس أباً لها، غنما هو عدو لها وكذلك الخمر، يكنى عنها بالطلا وليست طلاء، فصار مثلاً لمن يظهر له البر والإكرام. والمراد به ضد ذلك. وقد قيل: معنى قوله (كما الذئب يكنى أبا جعده) أن الذئب يكنى، وليس ذلك لكرامته، وهو نحو قول العامة ليس من كرامة الديك تغسل رجلاه.
وهذا البيت رواه أبو عبيدة هكذا، وهو فاسد الوزن ينقص من شطره الأول جزء، وذكروا أن الخليل بن أحمد أصلحه، فقال:
هي الخمر يكنونها بالطلاء ... كما الذئب يكنى أبا جعده
وهو بيت من المتقارب، عروضه محذوفة. ومن أطلق ضربه كان محذوفاً مثل عروضه، ومن رواه (مقيداً) كان ضربه أبتر. ويروى برفع الذئب وخفضه، فمن رفعه فعلى الابتدا، وتكون (ما) هاهنا هي التي تدخل على العامل فتكفه عن عمله، كالتي في قولك إنما زيد قائم. ومن خفضه جعل ما زائدة مؤكدة، كالتي في قوله تعالى (فبما نقضهم)، وعلى هذين الوجهين أنشد الأخفش:
وجدنا الحمر من شر المطايا ... كما الحبطات شربني تميم
* * *

الصفحة 150