كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

أن تكون داخلة على الخبر، فإذا قلت كأن زيداً عمرو، فأصله إن زيداً كعمرو، فأرادوا العناية بحرف التشبيه، فقدموه إلى صدر الجملة، فانفتحت همزة أن لدخول الكاف عليها، كما تنفتح مع سائر العوامل الداخلة عليها، ولا موضع للكاف من الإعراب، ولا تعلق بظاهر ولا مضمر، لمفاقرتها موضعها الذي كان أخص بها، ولأنها قد ركبت مع أن وصارت كالجزء منها. والكاف من قوله (كأبي براقش) يجوز أن تكون في موضع رفع على خبر مبتدأ مضمر، كأنه قال: هم كأبي براقش: ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال، كأنه قال مشبهين أبا براقش. وقوله (كل لون): منصوب على المصدر، وفيه مجاز من ثلاثة أوجه: أحدها: أن (كل) ليس من المصادر على الحقيقة، وإنما يصير مصدراً إذا أضيف إلى مصدر، كقولك: ضربته كل ضرب. والثاني: أنه وضع اللون وهو اسم، موضع التلون، الذي هو مصدر، والثالث: أنه أجرى (يتخيل) مجرى يتلون، لأنه إذا تخيل فقد تلون، فأنه يتلون لونه كل تلون. ويجوز أيضاً أن يكون وضع اللون موضع التلون، والتلون موضع التخيل، فكأنه قال: لونه يتخيل كل تخيل. ونظير هذا في حملك المصدر على الفعل مرة، وحملك الفعل على المصدر مرة، قولهم تبسمت وميض البرق، فلك أن تقدره ومضيت وميض البرق، ولك أن تقدره تبسمت تبسم البرق. ومثله: قعد زيد جلوساً، فلك أن تجعل (قعد) في تأويل (جلس)، ولك أن تجعل الجلوس في تأويل القعود. ويروى: (كل لون لونه يتحول) وفيه من الصنعة مثل ماء في يتخيل.
* * *

الصفحة 162