كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

ومن ذهب هذا المذهب في بيت امريء القيس، جاز أن يكون (الخالي) مفعولاً لم يسم فاعله، وجاز أن يكون صفة للمرء، كأنه قال: على المرء الخالي عرسه.
وأما من أعرب (خالاً) وأجراه مجرى مال ودار، وتأول عليه بيت امريء القيس، فإنه على هذا الاعتقاد صفة للمرء لا غير، وأما قوله (ويلمه): فمدح خرج بلفظ الذم. والعرب تستعمل لفظ الذم في المدح، فتقول أخزاه الله ما أشعره، ولعنه الله ما أجراه، وكذلك يستعملون لفظ المدح في الذم، فيقولون للأحمق: يا عاقل، وللجاهل، يا عالم. ومعنى هذا يا أيها العاقل عند نفسه، أو عند من يظنه عاقلاً، فسموه عاقلاً على ما يعتقده في نفسه.
وأما قولهم: أخزاه الله ما أشعره، ونحو ذلك من المدح الذي يخرجونه بلفظ الذم، فلهم في ذلك غرضان: أحدهما أن الإنسان إذا رأى الشيء فأثنى عليه، ونطق باستحسانه فربما أصابه بعين، وأضرّ به، فيعدلون عن مدحه إلى ذمه، لئلا يؤذوه. والثاني: أنهم يريدون أنه قد بلغ غاية الفضل، وحصل في حد من يذم ويسب، لأن الفاضل يكثر حساده والمعادون له، والناقص لا يلتفت إليه، ولذلك كانوا يرفعون أنفسهم عن مهاجاة الخسيس، ومجاوبة السفيه، ولذلك قال الفرزدق:
وإن حراما أن أسب مقاعسا ... بآبائك الشم الكرام الخضارم
ولكن نصفا لو سببت وسبني ... بنو عبد شمس من مناف وهاشم

الصفحة 188