كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

قوله: (فلا يرمي بي الرجوان): مثل يضرب لمن يتهاون به، ولمن يعرض للمهالك، والرجوان: ناحيتا البئر. وأصل هذا: أن البئر إذا كانت مطوية بالحجارة، احتاج المستقى منها إلى أن يتحفظ بالدلو، لئلا يصيب أحد جانبي البئر فيتخرق أو ينقطع فيقال له عند ذلك: (أبن أبن) أي أبعد دلوك عن جانبي البئر. وإذا كان المستقي ممن يتهاون بالدلو، ويريد الإضرار بصاحبها، صدم له بها أحد جانبي البئر فانخزقت وانقطعت، فضرب ذلك مثلاً لمن يخاطر به، ويعرض للهلاك، ولهذا الذي وصفناه، قال بعض السقاة:
أما يزال قائل: ابن أبن ... دلوك عن حد الضروس واللبن
وقوله: (فلا يرمي) يجوز أن يكون (لا) بمعنى ليس. ويجوز أن تكون نهياً، وأثبت الألف ضرورة، وكان ينبغي أن يحذفها للجزم. وقد روى: (فلا يقذف) وهذا لا ضرورة فيه. (وأقل): مرفوع بالابتداء، ومن خبره. والجملة في موضوع خبر إن. ومعناه: قليل من القوم من يغني مكاني، وينوب منابي، فيكون على هذا التأويل قد أثبت أن في الناس من يقوم مقامه، إلا أنه قليل. والأجود أن تكون القلة ههنا بمعنى النفي، فيكون قد نفى أن يقوم أحد مقامه، لأنه يعم نفسه، والعرب تستعمل القلة بمعنى النفي، فيقولون: أقل رجل يقول ذاك إلا زيد، وإنما جاز ذلك لأن الشيء إذا قل انتفى أكثره.
* * *
وأنشد ابن قتيبة في هذا الباب:
(141)
(كأنا غدوة وبني أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير)

الصفحة 192