كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

ويدل عليه هذا الرجز.
فكان شكر القوم عند المتن ... كي الصحيحات وفقأ الأعين
وقيل إنما كانوا يكوون الصحيح، لئلا يعلق به الداء، لا ليبرأ السقيم. حكى ذلك ابن دريد، وأما أبو عبيدة فقال: هذا أمر لم يكن وإنما هذا مثل لا حقيقة. أي أخذت البريء وتركت المذنب، فكنت كمن كوى البعير الصحيح وترك السقيم لو كان هذا مما يكون. قال ونحو من هذا قولهم: يشرب عجلان ويسكر ميسرة. ولم يكونا شخصين موجودين وقيل أصل هذا أن الفصيل إذا أصابه العُر لفساد في لبن أمه عمدا إلى أمه فكووها فتبرأ ويبرأ فصيلها، لأن ذلك الداء إنما كان ليسرى إليه في لبنها، وهذا أغرب الأقوال وأقربها إلى الحقيقة.
والكاف في قوله كذى العر تحتمل وجهين: أحدهما أن تكون في موضع الحال من الهاء في تركته، كأنه قال وتركته مشبهاً ذا العر.
والثاني أن تكون صفة لمصدر محذوف كأنه قال تركته تركاً مثل ترك ذي العر، ففي هذا الوجه حذف مضافاً وأقام ما أضيف إليه مقامه، وحذف موصوفاً وأحل صفته محله، وفي الوجه الأول لم يحذف شيئاً. وقوله: وهو راتع جملة في موضع الحال، أي يكوى غيره في حال رتوعه. وأما قوله: (يكوى غيره وهو راتع) فجملة لا موضع لها من الإعراب لأنها مفسرة لما قبلها، كأنه لما قال وتركته كذى العر. قيل: وما شأن ذي العر، فقال يكوى غيره وهو راتع، ونظير هذا لم أر أعجب من أمر زيد يضرب أخوه وهو يضحك، فقولك وهو يضحك جملة لها موضع، وقولك أخوه يضرب وهو يضحك جملة مفسرة لا موضع لها.

الصفحة 203