كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

وقوله: فكل ما عُلفت كان القياس أن يقول فكل ما تعلف لأن الأمر إنما يكون بالمستقبل، غير أن العرب تستعمل ههنا الماضي فيقولون: خذ ما أعطيت، واشكر الله على ما وهب لك، ومنه قول الراجز:
وإنما نأخذ ما أعطينا
فيجوز أنا يكون هذا مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل حين فهم المعنى كقول الحطيئة:
شهد الحطيئة حين يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر
وقول آخر:
فإني لآتيكم تشكر ما مضى ... من المس واستيجاب ما كان في الغد
ويجوز أن يكون معناه خذ ما قُدر لك أن تعطاه، وكل ما قدر لك أن تعلفه؛ فالعلف والإعطاء وإن كانا مستقبلين فالقدر قد سبق بوقوعهما في الوقت الذي يقعان فيه، ويدلك على صحة اعتقادهم لهذا المعنى، أنهم قد صرحوا به فقالوا خذ ما قسم الله لك. وقال الشاعر:
وإن جاء ما لا تستطيعان دفعه ... فلا تجزعا مما قضى الله واصبرا
* * *

الصفحة 224