كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

هذا البيت يروى لابن أحمر، ويروى للمتلمس، ومعناه في أحد الشعرين مخالف لمعناه في الشعر الآخر، وقبله في شعر ابن أحمر:
أزرى بوصل الحارثية أنها ... تنأى ويحدث بعض ما لم نعهد
قالت لنا يوماً ببطن سيوحه ... في موكب زجل الهواجر مبرد
قال الأصمعي: يقول إذا أبيت أن تأتينا في بلادنا فاذهب إلى أرضك وافعل بها ما بدالك أن تفعل. وسيوحة: واد بناحية اليمن، والزجل المختلط الأصوات.
وأما الذي في شعر المتلمس فنه يخاطب به عمرو بن هند حين فر منه. ووقع في بعض ألفاظه خلاف ما وقع في شعر بن أحمر، ولفظه على ما رواه الأصمعي:
فإذا حللت ودون بيتي غاوة ... فابرق بأرضك ما بدالك وارعد
وغاوة: قرية في أوائل بلاد الشام، وقوله يا جل ما بعدت: أراد يا هذا جل ما بعدت، كحذف المنادى، ويجوز أن يكون "يا" استفتاح كلام، فلا يكون في البيت حذف. وعلى هذا أنشد الأصمعي قول الراجز:
يا لعنة الله على أهل الرقم ... أهل الوقير والحمير والحزم
برفع اللعنة، أراد يا هؤلاء لعنة الله. وما مع الفعل بتأويل المصدر، كأنه قال: جل بعد بلادنا. والأشبه بهذا البيت أن يكون للمتلمس لأنه يليق بما قبله وما بعده من الشعر.
وأما شعر بن أحمر فلا مدخل له فيه، ولكن الرواة يفسدون الأشعار ويروون كثيراً من الأبيات في غير مواضعها، وسنذكر شيئاً من ذلك.
* * *

الصفحة 226