كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

البيت: للنمر بن تولب العكلى، وكان يلقب الكيس بصناعة الشعر. وكان أبو حاتم يقول النمر بسكون الميم، ويزعم أن العرب لا تقوله إلا هكذا. وهذا الذي ذكره غير معروف. وقوله (بعد وهب) يريد بعد خيانة وهب، وليس يريد: (بعد هلاك وهب)، ولو كان كذلك لكان قد مدح وهبا، وليس بمدحه، إنما يذمه. والمعنى: أن وهبا كان أوثقهم وأجدرهم بالأمانة، فإذ قد خان وهب، فهم أجدر بالخيانة، والدليل على أنه يذم وهبا قوله قبل هذا البيت:
يريد خيانتي وهب وأرجو من الله البراءة والأمانا
فإن الله يعلمني ووهبا ويعلم أن سنلقاه كلانا
ويروى: (يحفظه) بضم الياء: أي يؤتمن عليه، يقال حفظ الرجل الشيء وأحفظته إياه، وهذا بين لا إشكال فيه.
ويروى (يحفظ) بفتح الياء، وفيه إشكال، لأن الحافظ لا يخون، فكيف وصفه بالحفظ والخيانة.
والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما أن الفاء في كلام العرب إنما وضعت لتدل على أن ما بعدها يقع عقيب ما قبلها. فمعناه: يحفظه أولا ثم يعقب الحفظ بالخيانة. والثاني أن يكون معنى يحفظه: يدعى أنه يحفظه وهو يخون، لأن العرب تنسب الفعل إلى من يدعيه كما تنسبه إلى من هو له بالحقيقة، فإذا قلت: هذا ضارب زيدا، جاز أن يكون معناه هذا الذي أوقع بزيد الضرب على

الصفحة 44