كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

بهم ارتباط الجزء بالكل، فأغنى ذلك عن ذكر الضمير. هذا قول الفارسي، وهو الذي أشار إليه سيبويه.
والقول الثاني: أن الفتى ههنا سد مسد الضمير، وهذا القول هو الذي أشار إليه أبو القاسم الزجاج، في قوله في باب (نعم وبئس) وهو في موضع المضمر العائد على زيد، إلا أنه جاء مظهرا.
وتلخيص معنى هذا القول: أن الاسم الفاعل إذا تقدم على فعله الرافع له، لزم إضماره فيه؛ ألا ترى أنك تقول: قام زيد، فإذا قدمت زيدا قلت: زيد قام، فأضمرت في قام ضميرا يعود على زيد، فكذلك كان القياس إذا قلت: زيد نعم الرجل، أن تضمر في نعم ضميرا يرجع على زيد، إلا أن الضمير لا يجوز ارتفاعه بنعم، لأنها لا ترفع إلا ما فيه الألف واللام، أو ما أضيف إلى ما فيه الألف واللام. فلما لم يجز ذلك، وضع الظاهر موضع المضمر، فقيل زيد نعم الرجل.
والقول الثالث: أن العائد مقدر في الجملة، وحذف اختصارا، والتقدير: زيد نعم الرجل هو، وعسعس نعم الفتى هو، فاستغنى عن ذكر هو، لأن الاسم الأول قد أغنى عن ذكره.
والدليل على صحة هذا القول: أن حكم (نعم) أن يظهر بعدها اسمان، أحدهما اسم النوع، والآخر: المقصود بالمدح، فإذا ترك ذكر أحدهما، علم أنه مراد، وقد جاء حذف المقصود بالمدح، في نحو قوله عز وجل (نعم العبد إنه أواب) وفي نحو قول الشاعر:
نعم الفتى فجعت به إخوانه يوم البقيع حوادث الأيام

الصفحة 58