كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

على الحال، كأنه قال (مشتراة بأدماء) و (في) من قوله (في جبل): في موضع خفض على الصفة لأدماء، كأنه قال: (بأدماء مشدودة في حبل مقتادها). ويجوز أن تكون مبنية على مبتدأ محذوف، كأنه قال: (بأدماء وهي في حبل مقتادها) وتكون الجملة في موضع الحال من (أدماء)، فتكون بمنزلة قولهم: جاء زيد بثيابة، أي وهو في ثيابة، وجازت الحال هنا من النكرة، لأنها صفة نابت مناب موصوف، لأن المعنى بناقة أدماء، فالناقة في حكم ما هو ملفوظ به، فقربت النكرة ههنا من المعرفة بالصفة. والوجه الأول أجود وإن كان هذا الثاني غير بعيد.
والظاهر من كلام ابن قتيبة أنه جعل (في) في هذا البيت، بمعنى الباء، لأنه ذكر قولهم ادفعوه إليه برمته، ثم قال: وهذا المعنى أراد الأعشى في قوله للخمار. ثم أنشد البيت، وقال في تفسيره: أي يعني هذه الخمر بناقة برمتها، وقد قلنا فيما تقدم من كتابنا هذا إنه إذا أمكن حمل الشيء على موضوعه، وظاهر لفظه، لم يجب أن يعدل عنه إلى غيره، و (في) يوجد فيها من معنى الصفة والحال، ما يوجد في الباء، ألا ترى أن قولك جاءني زيد بثيابه، وفي ثيابه، سواء وأن المجرور في كل واحد من المسألتين في موضع الحال، لأن المعنى جاءني زيد وثيابه عليه. وكذلك قولهم: ادفعوه إليه برمته، أي ورمته عليه، وكذلك قول أبي ذؤيب في صفة الحمير:
يعثرن في حد الظباة كأنما كسيت برود بني تزيد الأذرع

الصفحة 62