كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب (اسم الجزء: 3)

جعلت لها عودين: من نشم، وآخر من ثمامه
إنه أراد: جعلت لها عودين: عودا من نشم، وآخر من ثمامة، فحذف الموصوف وأقام صفته مقامه. فقوله (وآخر) على هذا التأويل ليس معطوفاً على عودين، لأنك إن عطعفته عليهما كانت ثلاثة، وإنما هو معطوف على الموصوف الذي حذف، وقامت صفته مقامه، فهو مردود على موضع المجرور. وهذا قبيح في العربية، لأن إقامة الصفة مقام الموصوف، إنما يحسن في الصفات المحضة، كقولك جاءني العاقل ومررت بالظريف، ولا يحسن أيضاً في الصفة المحضة حتى تكون صفة مختصة بالموصوف، دالة عليه، وكلما ازدادت الصفة عموماً ضعف إحلالها محل موصوفها، فقولك: جاءني العاقل، أحسن من قولك: جاءني الطويل لأن العاقل يختص بالإنسان، ولا يختص به الطويل. وإذا لم تكن الصفة محضة، وكانت شيئاً ينوب مناب الصفة، من مجرور، أو جملة، أو فعل، لم يجز إقامتها مقام الموصوف. فلا يحسن أن تقول جاءني من بني تميم، وأنت تريد رجلاً من بني تميم، ولا لقيت يركب، وأنت تريد رجلاً يركب، وقد جاء من ذلك شيء قليل، لا يقاس عليه، أنشد سيبويه:
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم

الصفحة 68