كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد

فضلًا عن الجمع1 وقد تكون الأخرى ضعيفة أو منكرة لأمور يعلمها الراسخون فأي حاجة لذكرها والتقصي عنها، وقد يقال إن الشراح ذكروها ولا يخفى أن ليس كل ما يذكره الشراح بالواجب اتباعه والمشي عليه فالمتصدي إذ لم يضم إلى الفقه علومًا أخرى من تاريخ وطب وأصول وحكمة وذوق لسر التشريع وإلا فلا تراه إلا يخبط خبط عشواء في ليلة ظلماء.
هذا تعصب مدرسي العلوم النقلية ولا يقل عنه تعصب مدرسي العلوم العقلية، فكثيرً ما ترى من يتعصب في النحو للبصريين ويرد ما رآه الكوفيون وإن وضحت شواهدهم مع أن هذا خلاف الانصاف فالحكيم هو المتبع للشاهد العربي والمتبرئ من تكلف تأويله وما ألطف ما قال أبو حيان: ما تعبدنا الله باتباع مذهب البصريين ولا الكوفيين ولكن بالدليل القوي. أو كلامًا هذا معناه. وهكذا قارئ الأصول فقد يتحزب لما في الكتاب مما صححه مؤلفه أو ضعفه بدون نظر وتأمل وكله خلاف الحكمة، فالواجب على المدرس النظر الصحيح والبحث بالعقل والحكمة من غير لوم أو حط من كرامة وتدريب صحبه على ذلك وغرس الود والحب في قلوبهم وتدعيم ذلك بتقوى الله تعالى والإنابة إليه والتوكل في كل حال عليه.
2- تساهل بعض المدرسين في الدروس العامة:
للتدريس العام أهمية عظمى في القيام على تثقيف العقول وتهذيب الأخلاف لذلك يحتاج المتصدي للقيام بواجبه أن يكون حكيمًا واسع الاطلاع وقافًا
__________
1 قلت: هذا خلاف ما هو مقرر في "علم المصطلح" من وجوب الجمع بين الحديثين المتعارضين ما داما من قسم المقبول، وهو يشمل الصحيح والحسن كما بينه الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة"، لا سيما وبعض الأحاديث في السنن وغيرها قد تكون في الصحة مثل بعض ما في "الصحيحين" وتارة أعلى. فتأمل. "ناصر الدين".

الصفحة 152