كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد

22- إملال القراء بإطالة القراءة وكذا غيرهم:
من القواعد المقررة في كثير من أبواب الفقه في العبادات التخفيف في أدائها في صور شتى كتخفيف إمام مسجد جامع يؤم قومًا غير محصورين، وتخفيف المصلي إذا كان ثمة من ينتظره أو جالس إليه، تخفيف الإمام إذا سمع الصبي يبكي وأمه تصلي معه، وتخفيف الخطبة، مما هو معروف في السنة. والقصد أداء العبادة بنشاط وحضور قلب وشوق وذلك لا يكون إلا مع التخفيف والاعتدال فأما تنفير القلوب بالتطويل الممل فذاك مما يأباه العقل والشرع، وما أطيل ذيل أمر ما إلا استنكرته الطباع ونفرت منه النفوس. جبلة جبلت على ذلك وفطرة خلقت عليها "لا تبديل لخلق الله". إذا علمت ذلك تبين لك أن ما اعتاده كثير من القراء في الدروس أو في رمضان أو بعد الصلوات من إطالة الإعشار إطالة تنفر قلوب السامعين أمر يأباه الشرع والذوق وقد يوقع في محظور عظيم ويجر إلى كبيرة عظمى كأن يكره استماع الآي وحضور مجالسها والسبب في هذا الإثم جهل القارئ بالأدب المطلوب في حقه، ولذا جاء في الحديث لما نمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يطيل في القراءة في الصلاة "إن منكم منفرين" 1 أي والقصد هو جذب القلوب وتشويقها إلى الخير واستماع الحكم لا تنفيرها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا وبشروا لا تنفروا" 2.
هذا الباب كما يدخل فيها ما ذكر من إملال القلوب في إطالة الحصة بآيات القرآن يدخل فيه إطالة الدروس والخطب والصلاة وكل ما ينتفع به العامة ويخشى من إملاهم تنفيرهم وانصراف قلوبهم. ومعلوم أن القلوب متى سئمت عملًا ذهب حضورها وخشوعها وهو الثمرة المقصودة منه.
ذكرت مرة لبعض وجهاء المغاربة من إخواننا ما يعتاده المغاربة بعد وفاة
__________
1 حديث صحيح، مخرج في "الإرواء" "295".
2 صحيح، مخرج في "الصحيحة" "1151".

الصفحة 238