كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد

الناس عن صلاة الصبح وهم الذين يأتون إلى المسجد لأدائها بعد جماعتها الأولى فإذا دخل أحد يخجل ويدهش لها الجمع فإما أن يصلي في زاوية المسجد على استحياء وإما أن يرجع إلى إيوانه وقد يكون الوقت شاتيًا والبرد قارسًا.
عادة استمرت قرونًا لا تحصى إلى أن ارتأى من نحو عشر سنين أحد الأكابر الاجتماع بعد العشاء ففعل في أحد المساجد وقلده سائر الناس في الشام فالآن لا يجتمع للتعزية إلا بعد العشاء ثلاث ليال فارتفع بها ضرر حجب المصلين إلا أنه بقي من المحظورات في هذا الاجتماع شيء وهو أنه جرت العادة أن يؤتى بقارئ أو قراء يقرءون أعشار كل واحد بعد الآخر وفي الخلال يقوم خادم المسجد فيفرق أجزاء القرآن الحاضرين فيقرأ كثير منهم، وكان نهاهم أحد الشيوخ عن الجمع بين الشيئين وقال لهم إما أن تفرقوا الأجزاء وتأمروا القارئ يقرأ سرًّا أو تأذنوا للقارئ فيقرأ جهرًا ولا تفرقوا الأجزاء، وذلك لما يحصل في التشويش على القارئين برفع صوت القارئ. إلا أن هذه العادة أيضًا تركت في كثير من الجوامع الشهيرة وذلك بإحضار قارئ يقرأ حزبًا طويلًا أو سورة من المفصل والناس يستمعون إلا من لا فقه له ممن يتكلم والقارئ يقرأ نعوذ بالله وفي بعض الجوامع العادة الأولى موجودة فينبغي التنبه لإصلاحها.
وكان كثير من الحفظة بعد ختمهم أعشارهم يهللون وينشدون ويحصل في المسجد ضجة كبرى فاقتصر الآن على قراءة عشر يختم بعده قارئه بالدعاء وفيها تخفيف من بدعة الضجة الشنيعة. نعم لم تزل الضجة بعد العشر في الجامعين الكبيرين بدمشق بسبب اجتماع المؤذنين في السدة واشتغالهم بالإنشاد لقصائد معروفة لهم ويا حبذا لو أمكن إبطال هذه الضجات والصيحات بل إبطال هذه المجامع للتعزية المسماة بالصباحيات لأنها من البدع والمنكرات.

الصفحة 240