كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد

24- غضب الملازمين لوراء الإمام على من يزاحمهم:
في أغلب المساجد الكبيرة جماعة يلازمون منها ما وراء الإمام من قبالة المحراب فيأتون للمسجد قبل الصلاة ويأخذون مصافهم وأمكنتهم المعينة؛ لأن كل واحد منهم له مكان من تلك البقعة معين لا يحيد عنه غالبًا فقد يتفق أن يأتي من الناس من يظن وجود فرجة هناك أو يأمل أن يفسح له فإن كان الآتي من ذوي الوجاهة في علم أو منصب اغتفر له وإن كان من طبقة غيرهما فمنهم من يلصق في مكانه ولا يتفسح وإن كان المكان قابلًا للتفسح، ومنهم من إذا أحس بقدومه يتربع ليأخذ قدر الفراغ المظنون ويضيق عليه فإذا اقيمت الصلاة ودخل أحد فإن كان المكان فيه اتساع بعد الإقامة تسامحوا في هجومه وإن لم يكن فيه اتساع كاف إلا أنه يمكن لهم أن يتفسحوا فهناك لا تسل عن غرائبهم فمنهم من يترك مكانه ويذهب للصف الثاني حردًا وقد ملئ غيظًا وغصبا ومنهم من يشير له بالرجوع ويقول ما ثم مكان ومنهم من يلغط ويتأفف ويحوقل ويخاصم همسًا وقد يكمل لغطه بعد الصلاة إذ يكون قدر في نفسه وهو في الصلاة ما يقرعه به ويوبخه على فعله، وقد يتفق أن يأتي أحد يلازم معهم جديدًا فقد يسبق أحدهم إلى مكانه ويجلس فيه فإذا قدم هذا الملازم القديم ورأى مكانه أخذ فتراه يحرد إلى آخر الصف ويلحظ مكانه بطرف خفي متأسفًا ومتغيظًا على هذا الذي اغتصب مكانه وقد لا يسعه الصبر فتراه يجاهر ويقول له "يا أخي لسنا أولاد البارحة واليوم في هذا الجامع نحن من أربعين سنة نصلي في هذا المكان فأين الذوق" فتأمل ما يأتي به هؤلاء الجهلة وتأمل عبادتهم المحشوة رياء وعجبًا وكبرًا وهل مثل هؤلاء للخشية في قلوبهم أثر أو لثمرة الصلاة فيهم وجود؟ كلا فما أحوجهم إلى مرب ومؤدب والمستعان بالله. وقد سبق لنا في بحث الإيطان في المسجد ما يقرب من هذا البحث وفي التكرير إيضاح وتأكيد.

الصفحة 241