كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد

العلامة ابن عابدين أيضًا العلامة محمود أفندي ابن حمزة مفتي دمشق وغيرهما وسمعت شيخنا الحواني أستاذ المقرئين في الشام -وقد جرى ذكر رسالة ابن عابدين ومن رد عليه- يقول: لو أن ابن عابدين بنى رسالته على منكرات التهاليل ومكروهاتها وبدع المتصوفة فيها لاتفقت كلمة الكل عليها إذ لم يزل ولا يزال في أنفس كثيرين حزازات من أعمال هذه التهاليل سيما في ذلك الزمن السالف، فقد كانت التهاليل قائمة على ساق وقدم قيامًا مدهشًا بحيث لا تفتر المشايخ عن إقامتها للأغنياء وكان يتفق لبعض المشايخ ممن رزق حظًّا فيها أن يطلب منه في ليلة واحدة تهليلتان أو أكثر فيضطر أهل الميت إلى تأخير الميعاد لسبقهم بغيرهم. وكان يوجد في بعض التهاليل شبان مرد يتحلقون للذكر ويقودهم رئس الذكر فيصفهم ثم يهيمون وينزعون طرابيشهم ويرخون شعورهم يقول لي من أبصر ذلك من المعمرين -المنكرين تلك الحالة: فلا ترى إلا شعورًا مسدولة وخصورًا مهتزة وأكتافاً متمايلة وتصفيقًا من كل جانب وخفضًا ورفعًا وزعقًا من كل صوب وهيامًا لطرب أدوار المنشدين وموشحاتهم وتطبيقهم كل مقطع من مقاطع الذكر على نغم مخصوص مما يؤسف كل عاقل ويشجي كل حكيم. وأظن أن ابن عابدين لما لم ترقه التهاليل لما ذكرنا أراد أن يصرف الناس عنها بنقل قول معروف في المذهب علمًا بأن الفقهاء والعامة يخضعون لفتيا الفقهاء فاتاهم من الجهة التي يعتقدونها. بيد أنه لم يتم له الأمر لوجوه: "أولها": عدم الاتفاق في المذهب على ذلك القول "ثانيها": ذهاب بقية الفقهاء من المذاهب الأخر إلى خلافة أيضًا "ثالثها": حصره الرسالة في ذلك الفرع والتعصب له. ولو أنه نقل أقوال الفقهاء في تحريف الذكر وتمطيط اللفظ الكريم وقصد الرياء والسمعة والعدول عن الأحب وهو التصدق سرًّا على المحاويج وما قد يولده هذا المجمع من المنكرات والأذن للمردان بالذكر على حدة في الأثناء مما هو منكر بالإجماع وإيثار الأغنياء غالبًا بالألوان الجملة إذا هُيء لهم الطعام ثم إطعام الفقراء غير ذلك الطعام وإغلاق الباب في وجوه كثير من الفقراء وهم أحق من الموسرين المدعوين واعتقاد ما ليس بقربة قربة، إلى غير ذلك، لكانت

الصفحة 254