كتاب نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه ت المليباري (اسم الجزء: 1)

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إِلَى نَفْسِ الصَّوْمِ لا إِلَى صِفَتِهِ وَلا إِلَى عَدَدِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ، أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} لا يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ وَلا صِفَةٍ، وَلا وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إِلَى نَفْسِ الصِّيَامِ كَيْفَ وَقَدْ عَقَّبَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} فَتِلْكَ يَقَعُ عَلَى يَسِيرِ الأَيَّامِ وَكَثِيرِهَا.
فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: فِي نَسَقِ التِّلاوَةِ شَهْرُ رَمَضَانَ، بَيَّنَ عَدَدِ الأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَوَقْتَهَا، وَأَمَرَ بِصَوْمِهَا فَكَانَ التَّشْبِيهُ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الصَّوْمِ. وَالْمَعْنَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصُومُوا كَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا صِفَةُ الصَّوْمِ وَعَدَدُهُ فَمَعْلُومٌ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ لا مِنْ نَفْسِ الْآيَةِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى1 وَقَدْ أشار إليه السُّدِّيُّ وَالزَّجَّاجُ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى2، وَمَا رَأَيْتُ مُفَسِّرًا يَمِيلُ إِلَى التحقيق إلا
__________
1 أخرجه الطبري عن ابن أبي ليلى مستدلاً به على إحكام الآية. انظر: جامع البيان2/ 277.
وأما ابن أبي ليلى، فهو: عبد الرحمن ابن أبي ليلى، واسمه يسار، ويقال: بلال ويقال: داود الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي ولد لست بقين من خلافة عمر، روى عن أبيه وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، تابعي ثقة توفي سنة 81 أو 82 أو 83هـ، على الخلاف. انظر: التهذيب6/ 260 - 262.
2 ذكر نحوه المؤلف في زاد المسير1/ 184، ولم يعز إلى أحد.
أما أبو يعلي القاضي، فهو: محمّد بن الحسين بن محمّد بن خلف المعروف بابن الفراء أحد الفقهاء الحنابلة (380 - 458هـ). قال المحاملي: ما تحاضرنا أحد من الحنابلة أعقل من أبي يعلى. تاريخ بغداد2/ 256، رقم الترجمة: (730).

الصفحة 236