كتاب نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه ت المليباري (اسم الجزء: 1)
والثاني: قَوْلُهُ: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} 1 وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَنْسُوخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجِهَادَ كَانَ عَلَى ئلاث طَبَقَاتٍ:
الأُولَى: الْمَنْعُ مِنَ الْقِتَالِ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} 2 فنسخت بهذ الْآيَةِ وَوَجَبَ بِهَا التَّعَيُّنُ عَلَى الْكُلِّ، وَسَاعَدَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 3 ثُمَّ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَامَ بِالْجِهَادِ قَوْمٌ سَقَطَ عَلَى الْبَاقِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} 4.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} مُحْكَمٌ وَأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ لازِمٌ لِلْكُلِّ، إِلا أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، إِذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ فَلا وَجْهَ للنسخ) 5.
__________
1 الآية (122) من سورة التوبة.
قال مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 139، وقد قيل إنها منسوخة بآية: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}.
2 الآية (77) من سورة النساء.
3 الآية (41) من سورة التوبة، وهي الطبقة الثانية، أي الأمر بالقتال.
4 الآية (122) من سورة التوبة، وهي الطبقة الثالثة.
5 قال أبو جعفر النحاس في هذه الآية: (وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَنَّ الجهاد فرض بالآية فقول صحيح، وهذا قول حذيفة، وعبد الله بن عمرو، وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا، إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض، فإن احتيج إلى الجماعة نفروا فرضاً واجباً، لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام).
وقال مكي بن أبي طالب: والأمر لا يحمل على الندب إلا بقرينة ودليل. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 29؛ والإيضاح ص:139.
قلت: ذكر النحاس في المصدر السابق ومكي بن أبي طالب في المصدر السابق والمؤلف في زاد المسير1/ 235 عن العلماء أن هذه الآية ناسخة لكل رخصة في القرآن في ترك القتال، واختار النحاس إحكام الآية. وأما المؤلف فلم يرجح رأياً دون آخر في تفسيره، وأورد النسخ في مختصر عمدة الراسخ الورتة الرابعة.