كتاب نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه ت المليباري (اسم الجزء: 2)

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الآيَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ، فَإِنْ كَانَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ أُنْزِلَتْ أَوَّلا فَإِنَّهَا مُحْكَمَةٌ نَزَلَتْ عَلَى حُكْمِ الْوَعِيدِ غَيْرَ مُسْتَوْفَاةٍ الْحُكْمَ، ثُمَّ بُيِّنَ حُكْمُهَا فِي الآيَةِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ، وَكَثِيرٌ مِنَ المفسرين منهم ابن عباس وأبوا مِجْلَز1 وَأَبُو صَالِحٍ. يَقُولُونَ: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ إِنْ جَازَاهُ. وَقَدْ رَوَى لَنَا مَرْفُوعًا إِلا أَنَّهُ لا يَثْبُتُ رَفْعُهُ2. وَالْمَعْنَى: يَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ غَيْرَ أَنَّهُ لا يُقْطَعُ لَهُ بِهِ.
وَفِي هَذَا الْوَجْهِ بُعْدٌ لِقَوْلِهِ: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}. فَأَخْبَرَ بِوُقُوعِ عَذَابِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنْ كَانَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ الأُولَى فَقَدِ اسْتَغْنَى بِمَا فِيهَا عَنْ إِعَادَتِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ بحال3.
__________
1 أما أبو مجلز، فهو: لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري أبو مِجْلَز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي، مشهور بكنيته ثقة من كبار الثالثة، مات سنة ست أو سبع ومائة وقيل غير ذلك. انظر: التقريب (372).
2 ذكر نحو هذا المعنى السيوطي في الدر المنثور2/ 197، وعزاه إلى ابن أبي حاتم والطبراني وأبي القاسم بن بشران عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه بسند ضعيف عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} قال: "هو جزاؤه إن جازاه". ونسب النحاس هذا القول إلى مشاجع ثم رده بقوله: "ولم يقل بذلك أحد، وهو خطأ في العربية". انظر: الناسخ والمنسوخ (112).
3 قلت: ناقش المؤلف قضية النسخ في هذه الآية، في كتابيه، التفسير2/ 168، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (5) بشبه ما ناقش به هنا بالاختصار، لكنه لم يقم بترجيح رأي دون رأي آخر.
وأما أبو جعفر النحاس فقد اختار إحكام الآية في ناسخه ص: 110 - 112.
يقول الشوكاني في فتح القدير1/ 461 بعد أن أورد الآثار الواردة عن سعيد بن جبير وزيد بن ثابت بعدم النسخ: (ومن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف: أبو هريرة وعبد الله بن عمرو، وأبو سلمة، وعبيد بن عمير، والحسن، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وذهب الجمهور إلى أن التوبة منه مقبولة، واستدلوا بمثل قوله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} وقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
قالوا أيضاً: والجمع ممكن بين آية النساء هذه وآية الفرقان فيكون معناهما: فجزاؤه جهنم إلا من تاب، لا سيما وقد اتحد السبب وهو القتل الموجب والتوعد بالعقاب" ثم سرد الشوكاني أدلة الجمهور.

الصفحة 392