كتاب نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه ت المليباري (اسم الجزء: 2)

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى إِطْلاقِهِ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلاةَ أَنْ يَتَوَضَّأَ سَوَاءً كَانَ مُحْدِثًا أَوْ غَيْرَ مُحْدِثٍ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ سِيرِينَ1.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ هَذَا الْحُكْمُ باقٍ أَمْ نُسِخَ؟
فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ باقٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ منسوخ بالسنة وَهُوَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ2: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. فَقَالَ: عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ"3.
وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ أَنَّ أَخْبَارَ الآحَادِ لا تَجُوزُ أَنْ تَنْسَخَ الْقُرْآنَ4 وَإِنَّمَا يُحْمَلُ فِعْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم هذا على تبيين مَعْنَى الآيَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ: إِذَا قُمْتُمْ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ. وَإِنَّمَا كَانَ يَتَوَضَّأُ لَكُلِّ صَلاةٍ لِطَلَبِ الْفَضِيلَةِ.
__________
1 في (هـ): شيرين. وهو تصحيف. وقد روى الطبري القول المذكور عن علي رضي الله عنه من طريق عكرمة وعن ابن سيرين من طريق ابن عون، في جامع البيان6/ 72.
2 أما بريدة، فهو: ابن الخصيب بمهملتين مصغراً، أبو سهل الأسلمي صحابي أسلم قبل بدر، مات سنة 63هـ. انظر: التقريب ص: 43.
3 رواه مسلم وأصحاب السنن عن بريدة في كتاب الطهارة، وقد جاء في البخاري عن سويد بن النعمان، قال: "خرجنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا السويق، فأكلنا وشربنا، ثم قام النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المغرب فتمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ. انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي2/ 232؛ وصحيح البخاري بالفتح1/ 323 - 324 من كتاب الوضوء.
4 انظر في مقدمة المؤلف (باب ذكر ما اختلف فيه).

الصفحة 405