كتاب نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه ت المليباري (اسم الجزء: 2)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} نَسَخَتْهَا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} 1.
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ2 وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لا تَنَافِيَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وَإِنَّمَا حُكْمُ كُلِّ آيَةٍ قَائِمٌ في موضعها. فإن قلنا: إن قوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا} أُرِيدَ بِهِ غَزْوَةُ3 تَبُوكٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ فُرِضَ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً النَّفِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا عَاتَبَ الْمُخَلَّفِينَ وَجَرَتْ قِصَّةُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا4.
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الَّذِينَ اسْتَنْفَرُوا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ، وَأَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ فَكَانَ عَذَابَهُمْ5. فَإِنَّ أُولَئِكَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّفِيرُ6 حِينَ اسْتَنْفَرُوا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى إِحْكَامِ الآيَتَيْنِ وَمَنْعِ النَّسْخِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُ جَرِيرٍ7 وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَحَكَى القاضي
__________
1 الآية (122) من سورة التوبة.
2 ذكر الطبري 10/ 95 من جامع البيان هذا القول عن الحسن وعكرمة كما ذكر نحوه النحاس بسند ضعيف عن ابن عباس، وعن الحسن وعكرمة، ثم قال: "وهذا مما لا ينسخ لأنه خبر ووعيد". انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 167.
3 في (م): غزوت بالتاء المفتوحة، وهو خطأ إملائي.
4 كما جاء في آية (118) من السورة نفسها.
5 رواه أبو داود والبيهقي في سننهما وفي إسنادهما نجدة بن نفيع وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب (356) وذكر السيوطي هذا الحديث في الدر المنثور 3/ 239، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ والحاكم، وابن مردويه.
6 في (م): اليقين، والذي أثبت عن (هـ) أنسب للمقام.
7 انظر ما قاله الطبري في إحكام الآية من جامع البيان 10/ 95.

الصفحة 470