كتاب نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه ت المليباري (اسم الجزء: 2)

وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ غَيْرُ السَّلامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّلامَ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ، وإنما المراد بالسلام التسلّم، أَيْ: تَسَلُّمًا مِنْكُمْ وَمُتَارَكَةً لَكُمْ، كَمَا يَقُولُ: بَرَاءَةٌ (مِنْكَ) 1 أَيْ: لا أَلْتَبِسُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ اسْمَ الْجَاهِلِ يَعُمُّ الْمُشْرِكَ وَغَيْرَهُ، فَإِذَا خَاطَبَهُمْ مُشْرِكٌ، قَالُوا: السَّدَادَ وَالصَّوَابَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَحُسْنُ (الْمُحَاوَرَةِ) 2 فِي الْخَطَّابِ لا يُنَافِي الْقِتَالَ. فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ3.
ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقّ} - إِلَى قَوْلِهِ - {إِلاّ مَنْ تَابَ} 4.
لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلِهَؤُلاءِ فِي نَاسِخِهَا ثَلاثَةُ أقوال:
أحدها: أَنَّهُ قَوْلُهُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} 5، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا6 وَالأَكْثَرُونَ عَلَى خِلافِهِ فِي أن القتل لا
__________
1 في (هـ): منكم.
2 في (هـ): مجاورة، بالجيم، فهو تصحيف.
وقد أحرج الطبري نحو هذا المعنى عن الحسن في جامع البيان 19/ 22.
3 ذكر النحاس في ناسخه ص: 202 - 203 ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 324، والمؤلف في زاد المسير 6/ 101، دعوى النسخ في هذه الآية دون أن يبدوا آرائهم فيه. ولم يتعرض له المؤلف في مختصر عمدة الراسخ أصلاً.
4 الآية (68 - 70) من سورة الفرقان.
5 الآية (93) من سورة النساء.
6 ذكره الطبري والنحاس بإسنادهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. انظر: جامع البيان19/ 28؛ والناسخ والمنسوخ (11).

الصفحة 528