كتاب مختصر منهاج القاصدين

وعن مسروق قال: كان رجل بالبادية له كلب وحمار وديك، فالديك يوقظ للصلاة، والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل خباءهم، والكلب يحرسهم. فجاء الثعلب فأخذ الديك، فحزنوا فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً، ثم جاء ذئب فخرق بطن الحمار، فحزنوا، فقال، الرجل: عسى أن يكون خيراً، ثم أصبحوا ذات يوم، فنظروا فإذا قد سبي من حولهم وبقوا هم، وإنما أخذ أولئك بما كان عندهم من الصوت والجلبة، ولم يكن عند أولئك شىء يجلب، قد ذهب كلبهم وحمارهم وديكهم.
وعن سعيد بن المسيب قال: قال لقمان لابنه: يابنى: لا ينزلن بك أمر رضيته أو كرهته، إلا جعلت في الضمير أن ذلك خير لك. قال: أما هذه فلا أقدر أن أعطيكها دون أن أعلم ما قلت أنه كما قلت. قال: يابنى: فإن الله قد بعث نبياً هلم حتى نأتيه، فعنده بيان ما قلت لك. قال: اذهب بنا إليه، فخرج على حمار وابنه على حمار، وتزودوا ما يصلحهما، ثم سارا أياماً وليالى، حتى تلقهما مفازة، فأخذا أهبتهما ودخلاها، فسارا ما شاء الله أن يسيرا، حتى تعالى النهار واشتد الحر ونفد الماء والزاد، فاستبطآ حماريهما، فنزلا يمشيان، فبينما هما كذلك، إذ نظر لقمان أمامه، فإذا هو بسواد ودخان، فقال في نفسه: السواد شجر، والدخان عمران وناس، فبينما هما كذلك يشهدان، إذ وطئ ابن لقمان على عظم على الطريق، فدخل في باطن قدمه حتى ظهر من أعلاها، فخر مغشياً عليه، فحانت من لقمان التفاتة، فإذا هو بابنه صريع، فوثب إليه فضمه إلى صدره، واستخرج العظم بأسنانه، وشق عمامة كانت عليه فعصب رجله، ثم نظر إلى وجه ابنه فذرفت عيناه فقطرت قطرة من دموعه على خد الغلام فانتبه لها، فنظر إلى أبيه يبكى، فقال يا أبت: أنت تبكى وأنت تقول هذا خير لي، فكيف ذلك وأنت تبكى؟! وقد نفذ الطعام والشراب وبقيت أنا وأنت في هذا المكان. قال: أما بكائي يابنى، فوددت أنى افتديتك بجميع حظي من الدنيا، ولكنى والد ومنى رقة الوالد. وأما قولك: كيف يكون هذا خيراً لى؟ فلعل ما صرف عنك أعظم مما ابتليت به، ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك، فبينما هو يحاوره، إذ نظر لقمان أمامه، فلم ير الدخان والسواد، فقال في نفسه: لم أر شيئاً، ثم قال: قد رأيت، ولكن لعله أن يكون قد أحدث ربى بما رأيت شيئاً، فبينما هو يتفكر في ذلك، إذا نظر فإذا هو بشخص قد أقبل على فرس أبلق، عليه ثياب بيض، يمسح الهواء مسحاً. فلم يزل يرمقه بعينيه حتى كان منه قريباً، فتوارى عنه ثم صاح به

الصفحة 356