كتاب الدليل المغني لشيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني

وقال محمّد بن طلحة النعالي: حضرت مع أبي الحسن في دعوة عند بعض النَّاس ليلة، فجرى شيءٍ من ذكر الأكلة، فاندفع أبو الحسن يورد أخبار الأكلة وحكاياتهم ونوادرهم حتّى قطع ليلته أو أكثرها بذلك (¬1).
وقال العتيقي: حضرت أبا الحسن وقد جاءه أبو الحسين البيضاوي ببعض الغرباء وسأله أنّ يقرأ له شيئًا، فامتنع واعتلَّ ببعض العلّل، فقال: هذا غريب، وسأله أنّ يُملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسًا يزيد عدد أحاديثه على العشرة متون، جميعها: "نعم الشيء الهدية أمام الحاجة" وانصرف الرَّجل ثمّ جاء بعد وقد أهدى له شيئًا، فقربه وأملى عليه من حفظه بضعة عشر حديثًا، متونها جميعًا: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (¬2) " قال الذهبي: هذه حكايات صحيحة، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام (¬3).
قال مقيده -عفا الله عنه -: ومما يدلُّ على سعة حفظه وقوته، ما ذكره الخطيب عن شيخه البرقاني قال: قلت له: هل أبو الحسن يملي عليك "العلّل" من حفظه؟ فقال: نعم. ثمّ شرح لي قصة جمع العلّل (¬4). قال الذهبي: قلت: إن كان كتاب "العلل" الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه، كما دلت عليه هذه الحكاية فهذا أمر عظيم، يقضى به للدارقطني أنّه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن (¬5). وقال في "التاريخ (¬6)،: قلت: وهذا شيءٍ مدهش؛ كونه يملي "العلّل" من حفظه، فمن أراد أنّ يعرف قدر ذلك فليطالع كتاب "العلّل" للدارقطني ليعرف كيف كان الحفاظ.
وكان - رحمه الله - جيد الخط، وقد أكثر الخطيب من النقل عنه، ومن الكتب الّتي
¬__________
(¬1) تاريخ بغداد (12/ 36).
(¬2) أخرجها الخطيب في "تاريخه" (12/ 39).
(¬3) النبلاء (16/ 456).
(¬4) تاريخ بغداد (12/ 37).
(¬5) النبلاء (16/ 455).
(¬6) (27/ 103).

الصفحة 17