كتاب تاريخ الزواوة

الزائرين والمسافرين يأكلون ويشربون مجانا وليس ذلك للمصلين من الأهالي المقيمين إلا الفقراء منهم وبعض السخفاء الطفيليين ولكل زاوية أهلها يتصرفون فيها حسب أصول تأسيسها خلفا عن خلف فالزوايا على هذا المعنى نظمية اجتماعية مدنية لو لم يعوزها حسن الإدارة والإصلاح الذي يقتضيه الحال والطبع إذ لا فرق بين هذه الزوايا ومؤسسات الجمعيات والشركات العلمية الخيرية المقامة بأوربا وأمريكا بأموال أولي البر من الوصايا والأوقاف ونحو ذلك فزوايا الزواوة كذلك دخلها من أولي البر والصلاح الملتزمين بعطايا من أرزاقهم وكسبهم للمؤسس الصالح المرجوة بركته ومن هذه الحيثية تعذر على الحكومات التداخل في شأنها والحق كذلك لأن الأعمال الخيرية كهذه لا ينبغي بل لا يمكن التداخل فيها (....) لكيلا يسخط الرأي العام في أمر معتقد صلاحا دينيا فإن المتبرعين إنما تبرعوا خدمة للعلم والصلاح الموصلين إلى رضاء الله وإن لم يفعلوا يخشوا سخط الله وبهذا المعنى يوجد الفرق بينهم وبين أولي البر من أوروبا وأمريكا فيقال مع الفارق بينهما عموم وخصوص منهجي فتنفرد جمعيات أوروبا وأمريكا بقصد التعليم على وجه خاص وتنفرد زوايا الزواوة بقصد خدمة العلم وإرضاءا لله فهذه القاعدة المتضمنة للعقيدة أمتن وقد يقال أن بينهما عموما وخصوصا بإطلاق وإنما امتازت مدارس أوروبا وأمريكا بحسن الإدارة وسداد الرأي والنظر وعدم الجمود وبالجملة إن للزواوة والبربر في هذا الشأن فضل السبق يذكر فيشكر ولمثل هذا أسهب العلامة ابن خلدون رحمه الله واسترسل في الثناء على البربر كما تقدم وهو ممن ضربوا في أرضهم ومواطنهم وأحق بالشهادة عليهم كما قدمنا وليس ابن

الصفحة 118