كتاب تاريخ الزواوة

ثقافية، فالذي يسعى لأن يقتتل الجزائريون تحت يافطة عرب - بربر كالذي يسعى لاقتتالهم تحت يافطة مسلمون - نصارى أو يافطة عصرانيون - أصوليون، فقد اقتتل اللبنانيون مدة 15 سنة تحت هذه اليافطات وكانت النتيجة تدمير لبنان بكل فئاته.
وهذا بالضبط ما يراد بالجزائر، وبالطبع لن يشرف البربر أو العرب في الجزائر أن يتقاتلوا تحت أي عنوان كان فضلا عن هذا العنوان العنصري البغيض. والحقيقة أن ما يراد بالجزائر هو ما يراد بالوطن العربي كله، فالحضارة الأوروبية التي بدأت تدخل مرحلة التدهور بعد أن وصلت قمة الهرم، أخذت تخشى نمو الحضارة العربية من جديد سواء بثوب عصراني حداثي علماني أو بثوب إسلامي سلفي أو متجدد. فمن الواضح أن العرب استجابوا للتحدي وتحررت أوطانهم، وقد سجل لهم التاريخ أنهم أكثر شعوب الأرض مقاومة للظاهرة الاستعمارية .. وكانت الجزائر على رأس هذه الاستجابة للتحدي .. لذلك فالحضارة الأوروبية وبدوافع شتى لا تخلوا من صليبية أيضا تسعى لأن تمنع نمو العرب، فبعد أن فتتهم إلى أكثر من 23 دولة واقتطعت أجزاء منهم ومن أراضيهم أعطتها لتركيا وإيران وإثيوبيا وتنزانيا وحتى أسبانيا وأقامت إسرائيل فإنها تسعى لتفتيتهم إلى قوميات متناحرة متقاتلة فالشاوية في قتال مع القبائل وهؤلاء مع الشلوح وفي مصر الصعايدة مع النوبيين والمسلمين مع الأقباط، والعرب في لبنان مع الفينيقيين وهكذا دوايك. إذ أن الاستعمار يخلق ثقافات متضادة المزاج تمهيدا للحروب الأهلية.

الصفحة 52