كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة أو الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك1 والمراد به هنا الاجتماع المعتاد من اجتماع أهل الجاهلية. فالعيد يجمع أمورا منها يوم عائد، كيوم الفطر ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا. فالزمان كقول النبي صلي الله عليه وسلم في يوم الجمعة: " إن هذا يوم قد جعله الله للمسلمين عيدا " 2. والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس: " شهدت العيد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم "3 والمكان كقول النبي صلي الله عليه وسلم: " لا تتخذوا قبري عيدا " 4. وقد يكون لفظ العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب، كقول النبي صلي الله عليه وسلم " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا " 5 انتهى6.
__________
1 وهي التي يسميها الناس اليوم الموالد والذكرانات التي ملأت البلاد باسم الأولياء، وهي نوع من العبادة لهم (*) وتعظيمهم. ولذلك لا يذكر الناس ويعرفون إلا من أقيمت له هذه الذكرانات ولو كان أجهل خلق الله وأفسقهم. فكلما كسدت سوق طاغوت من هؤلاء قام السدنة بهذا العيد لتحيا في نفوس العامة عبادته وتكثر الهدايا والقرابين باسمه. وقد امتلأت البلاد الإسلامية بهذه الذكرانات, وعمت بها المصيبة وعادت بها الجاهلية إلى بلاد الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولم ينج منها إلا نجد والحجاز فيما نعلم بفضل الله ثم بفضل آل سعود الذين قاموا بحماية دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب.
2 ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1098) , ومالك: الطهارة (146) .
3 البخاري: الجمعة (962) , ومسلم: صلاة العيدين (884 ,886) , والنسائي: صلاة العيدين (1569) , وأبو داود: الصلاة (1142) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1273) , وأحمد (1/220 ,1/226 ,1/232 ,1/286 ,1/331 ,1/345 ,1/368) , والدارمي: الصلاة (1603 ,1610) .
4 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (780) , والترمذي: فضائل القرآن (2877) , وأبو داود: المناسك (2042) , وأحمد (2/367) .
5 البخاري: كتاب العيدين (952) : باب سنة العيدين لأهل الإسلام. ومسلم كتاب صلاة العيدين (892) (16) : باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد من حديث عائشة رضي الله عنها.
6 في قرة العيون: وقد أحدث هؤلاء المشركون أعيادا عند القبور التي تعبد من دون الله ويسمونها عيدا كمولد البدوي بمصر وغيره، بل هي أعظم لما يوجد فيها من الشرك والمعاصي العظيمة. قال المصنف - رحمه الله تعالى -: وفيه استفصال المفتي والمنع من الوفاء بالنذر بمكان عيد الجاهلية ولو بعد زواله. قلت: وفيه المنع من اتخاذ آثار المشركين محلا للعبادة؛ لكونها صارت محلا لما حرم الله من الشرك والمعاصي, والحديث وإن كان في النذر فيشمل كل ما كان عبادة لله فلا نفعل في هذه الأماكن الخبيثة التي اتخذت محلا لما يسخط الله تعالى, فبهذا صار الحديث شاهدا للترجمة والمصنف - رحمه الله تعالى - لم يرد التخصيص بالذبح وإنما ذكر الذبح كالمثال. وقد استشكل جعل محل اللات بالطائف مسجدا. والجواب والله أعلم: أنه لو ترك هذا المحل في هذه البلدة لكان يخشى أن تفتتن به قلوب الجهال فيرجع إلى جعله وثنا, كما كان يفعل فيه أولا فجعله مسجدا والحالة هذه ينسى فيها ما كان يفعل فيه ويذهب به أثر الشرك بالكلية، فاختص هذا المحل لهذه العلة وهي قوة المعارض والله أعلم. (*) قوله: (وهي نوع من العبادة لهم) إلخ. أقول: هذا فيه إجمال, والصواب التفصيل بأن يقال: من أقام المولد لقصد التقرب إلى صاحبه ورجاء نفعه وبركته, أو لكي يدفع عن مقيم المولد بعض الضرر ونحو ذلك, فهذا تعتبر إقامته المولد عبادة لصاحبه، فإن دعاه مع ذلك أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو فعل معه شيئا من بقية أنواع العبادة، صار ذلك شركا إلى شرك, وهذا هو الذي يفعله الكثيرون ممن يقيم الموالد للنبي - صلى الله عليه وسلم -, أو للحسين - رضي الله عنه - أو للبدوي أو غيرهم. أما من أقام المولد لقصد التقرب إلى الله سبحانه ظنا منه أن ذلك من العبادات التي يحبها الله, فهذا لا يكون عابدا لصاحب المولد إذا لم يقع منه شيء من الشرك في احتفال المولد, ولكنه قد أتى بدعة لم يشرعها الله سبحانه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -, ولا فعلها السلف الصالح رضي الله عنهم ولو كان قصده حسنا؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز الإتيان بشيء منها إلا بتشريع من الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -, ولقد عظمت المصيبة بهذه الموالد وحصل بها من الشرك والفساد ما لا يحصيه إلا الله عز وجل, فإنا لله وإنا إليه راجعون, ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في الدين ويوفقهم لاتباع السنة وترك البدعة إنه سميع قريب.
الصفحة 154
518