كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: وأما ما نذر لغير الله كالنذر للأصنام والشمس
والقمر والقبور ونحو ذلك، فهو بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات. والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة، وكذلك العاذر للمخلوقات. فإن كلاهما شرك. والشرك ليس له حرمة، بل عليه أن يستغفر الله من هذا ويقول ما قال النبي صلي الله عليه وسلم: " من حلف وقال في حلفه: واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله " 12. وقال فيمن نذر سمعة أو نحوها دهنا لتنور به ويقول: إنها تقبل النذر كما يقوله بعض الضالين. وهذا النذر معصية باتفاق المسلمين لا يجوز الوفاء به، وكذلك إذا نذر مالا للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة. فإن فيهم شبها من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة، يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله. والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} 3؟ والذين اجتاز بهم موسى - عليه السلام - وقومه، قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} 4. فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع نذر معصية. وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها، أو لسدنة الأبداد في الهند5 والمجاورين عندها 6.
__________
1 البخاري كتاب الأيمان والنذور (6650) : باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت, ومسلم: كتاب الإيمان (1647) (5) : باب من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله من حديث عائشة رضي الله عنها.
2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
3 سورة الأنبياء آية: 52.
4 سورة الأعراف آية: 138.
5 في القاموس: البد - بضم الباء - الصنم، معرب، بد والجمع بددة –كقردة - وأبداد كخرج وأخراج. وهو اسم لصنم من أصنام الهنود.
6 في قرة العيون: وذلك لأن الناذر لله وحده علق رغبته به وحده لعلمه بأنه تعالى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن, وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، فتوحيد القصد هو توحيد العبادة, ولهذا ترتب عليه وجوب الوفاء فيما نذره طاعة لله, والعبادة إذا صرفت لغير الله صار ذلك شركا بالله لالتفاته إلى غيره تعالى فيما يرغب فيه أو يرهب، فقد جعله شريكا لله في العبادة، فيكون قد أثبت ما نفته (لا إله إلا الله) من إلهية غير الله ولم يثبت ما أثبتته من الإخلاص, وكل هذه الأبواب التي ذكرها المصنف - رحمه الله تعالى - تدل على أن من أشرك مع الله غيره بالقصد والطلب فقد خالف ما نفته "لا إله إلا الله" فعكس مدلولها فأثبت ما نفته ونفى ما أثبتته من التوحيد، وهذا معنى قول شيخنا. وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب. فكل شرك وقع أو قد يقع فهو ينافي كلمة الإخلاص وما تضمنته من التوحيد.
الصفحة 158
518