كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

يقول تذكرا قليلا من عظمة الله وأياديه عندكم تذكرون، وتعتبرون حجج الله عليكم يسيرا. فلذلك أشركوا بالله غيره في عبادته". اهـ.
قوله: "وروى الطبراني أنه كان في زمن النبي منافق يؤذي المؤمنين. فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلي الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "إنه لا يستغاث بي; وإنما يستغاث بالله".
الطبراني: هو الإمام الحافظ سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها. روى عن النسائي وإسحاق بن إبراهيم الديري وخلق كثير. مات سنة ستين وثلاثمائة. روى هذا الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
قوله: "أنه كان في زمن النبي صلي الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين" لم أقف على اسم هذا المنافق.
قلت: هو عبد الله بن أبيّ كما صرح به ابن أبي حاتم في روايته.
قوله: "فقال بعضهم" أي الصحابة رضي الله عنهم هو أبو بكر رضي الله عنه.
فيه مسائل:
الأولى: أن عطف الدعاء على الاستغاثة من عطف العام على الخاص.
الثانية: تفسير قوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} 1.
الثالثة: أن هذا هو الشرك الأكبر.
الرابعة: أن أصلح الناس لو يفعله إرضاء لغيره صار من الظالمين.
الخامسة: تفسير الآية التي بعدها.
السادسة: كون ذلك لا ينفع في الدنيا مع كونه كفرا.
السابعة: تفسير الآية الثالثة. 2
الثامنة: إن طلب الرزق لا ينبغي إلا من الله، كما أن الجنة لا تطلب إلا منه.
التاسعة: تفسير الآية الرابعة.
العاشرة: أنه لا أضل ممن دعا غير الله.
الحادية عشرة: أنه غافل عن دعاء الداعي لا يدري عنه. 3
الثانية عشرة: أن تلك الدعوة سبب لبغض المدعو الداعي وعداوته له.
قوله: "قوموا بنا نستغيث برسول الله صلي الله عليه وسلم من هذا المنافق"؛ لأنه صلي الله عليه وسلم يقدر على كف أذاه. 4
__________
1 سورة يونس آية: 106.
2 يعني (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) .
3 يعني أن المدعو غافل عن دعاء الداعي بما هو مشغول به في قبره من نعيم، إن كان من المؤمنين الصالحين, كالحسين وأبيه – رضي الله عنهما -, أو من عذاب أليم, كالتجاني المشرك الخبيث، وابن عربي الحاتمي أكبر الدعاة إلى وحدة الوجود، وابن الفارض وأشباههما ممن اتخذه الناس وليا معبودا لعظم ما بني عليه من القبة، أو بالظنون واتباع الأهواء، وهم كثير جدا, بل أكثر أولئك الطواغيت منهم، ومن أرباب الطرق الدجالين.
(4) في قرة العيون: فلعله أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك المنافقين أن يفعل بهم ما يستحقونه مخافة أن يفتتن بعض المؤمنين من قبيلة المنافق، وفي السنة ما يدل على ذلك، كما فعل مع ابن أبي وغيره. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدر أن يغيثهم من ذلك المنافق فيكون نهيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغاثة به حماية لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك، كنظائره مما للمستغاث به قدرة عليه مما كان يستعمل لغة وشرعا مخافة أن يقع من أمته استغاثة بمن لا يضر ولا ينفع ولا يسمع ولا يستجيب من الأموات والغائبين، والطواغيت والشياطين والأصنام وغير ذلك. وقد وقع من هذا الشرك العظيم ما عمت به البلوى مما تقدم ذكره حتى أنهم أشركوه مع الله في ربوبيته وتدبير أمر خلقه كما أشركوهم معه في ألوهيته وعبوديته؛ والوسائل لها حكم الغايات في النهي عنها والله أعلم.

الصفحة 178