كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
باب: قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} 1.
__________
وغيرهم، من الاستغاثة بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ويعرضون عن الاستغاثة بالرب العظيم القادر على كل شيء الذي له الخلق والأمر وحده، وله الملك وحده، لا إله غيره ولا رب سواه. قال تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} 2 في مواضع من القرآن3 {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} 4. فأعرض هؤلاء عن القرآن واعتقدوا نقيض ما دلت عليه هذه الآيات المحكمات، وتبعهم على ذلك الضلال الخلق الكثير والجم الغفير، فاعتقدوا الشرك بالله دينا، والهدى ضلالا، فإنه لله وإنا إليه راجعون. فما أعظمها من مصيبة عمت بها البلوى فعاندوا أهل التوحيد وبدعوا أهل التجريد; فالله المستعان.
قوله: "باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} 5".
قوله: {أَيُشْرِكُونَ} أي في العبادة. قال المفسرون: في هذه الآية توبيخ وتعنيف
__________
1 سورة الأعراف آية: 191.
2 سورة الأعراف آية: 188.
3 يعني (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) فبالجمع بين الآيتين يظهر أنه لا يقدر أحد من المدعوين أن يجيب الداعي إلا الله. 4 سورة الجن آية: 21.
5 في قرة العيون: وهذا مما احتج به تعالى على المشركين لما وقع منهم من اتخاذ الشفعاء والشركاء في العبادة؛ لأنهم مخلوقون فلا يصلح أن يكونوا شركاء لمن هم خلقه وعبيده. وأخبر أنهم مع ذلك لا يستطيعون لهم نصرا, أي لمن سألهم النصرة (ولا أنفسهم ينصرون) فإذا كان المدعو لا يقدر على أن ينصر نفسه فلأن لا ينصر غيره من باب الأولى. فبطل تعلق المشرك بغير الله بهذين الدليلين العظيمين, وهو كونهم عبيدا لمن خلقهم لعبادته، والعبد لا يكون معبودا. الدليل الثاني: أنه لا قدرة لهم على نفع أنفسهم فكيف يرجى منهم أن ينفعوا غيرهم. فتدبر هذه الآية وأمثالها في القرآن العظيم.
الصفحة 181
518