كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

تعالى فيها من الإحساس ومعرفة من خلقها. وقد أخبر تعالى أن هذه المخلوقات العظيمة تسبحه كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} 1. وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً} 2. وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} 3 وقد قرر العلامة ابن القيم - رحمه الله - أن هذه المخلوقات تسبح لله وتخشاه حقيقة، مستدلا بهذه الآيات وما في معناها.
وفي البخاري عن ابن مسعود قال: " كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل "4 وفي حديث أبي ذر: " أن النبي صلي الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات، فسُمع لهن تسبيح "5 - الحديث وفي الصحيح: قصة حنين الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلي الله عليه وسلم قبل اتخاذ المنبر6. ومثل هذا كثير.
قوله: "صُعقوا وخروا لله سجدا" الصعوق هو الغشي، ومعه السجود.
فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال: الحق وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل،
قوله: "فيكون أول من يرفع رأسه جبريل" بنصب "أول" خبر يكون مقدم على اسمها، ويجوز العكس. ومعنى جبريل: عبد الله; كما روى ابن جبير وغيره عن علي بن الحسين قال: كان اسم جبريل: عبد الله، واسم ميكائيل عُبيد الله; وإسرافيل عبد الرحمن. وكل شيء رجع إلى "ايل" فهو مُعبّد لله عز وجل. وفيه فضيلة جبريل - عليه السلام -. كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} 7.
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: إن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم. وقال أبو صالح في الآية8: "جبريل يدخل في سبعين حجابا من نور بغير إذن".
__________
1 سورة الإسراء آية: 44.
2 سورة مريم آية: 90.
3 سورة البقرة آية: 74.
4 جزء من حديث طويل رواه البخاري (3579) : كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام.
5 ضعيف: قال الهيثمي في المجمع (8/ 299) : رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات وفي بعضهم ضعف.. وأشار إلى طريق آخر له عند الطبراني في الأوسط، وضعفه الحافظ في الفتح (6/ 592) .
6 البخاري (3583) , (3584) كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام. من حديث ابن عمر وجابر رضي الله عنهما.
7 سورة التكوير آية: 19-21.
8 أي في قوله: (ذي قوة عند ذي العرش مكين) كما ساق ذلك الحافظ ابن كثير، وقد نقلها الشارح رحمه الله مختصرة.

الصفحة 201