كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
دينه ورسوله، ويأبى الله ذلك {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ} 1" اهـ كلام ابن القيم رحمه الله.
وفي القصة فوائد ذكرها المصنف رحمه الله 2.
ومنها: رد الشبه التي يسميها أهل الكلام عقليات، ويدفعون بها ما جاء به الكتاب والسنة، من توحيد الصفات، وإثباتها على ما يليق بجلال الله وعظمته وكبريائه.
ومنها: مضرة التقليد.
ومنها: ضرورة الأمة إلى ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم علما وعملا بما يدل عليه الكتاب والسنة فإن ضرورة العبد إلى ذلك فوق كل ضرورة.
قوله: "وعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. إنما أنا عبد; فقولوا: عبد الله ورسوله " 4 أخرجاه.
قوله: "عن عمر" هو ابن الخطاب بن نفيل- بنون وفاء مصغرا- العدوي أمير المؤمنين وأفضل الصحابة بعد الصديق - رضي الله عنهم -. ولي الخلافة عشر سنين ونصفا، فامتلأت الدنيا عدلا، وفتحت في أيامه ممالك كسرى وقيصر. واستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين رضي الله عنه.
قوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم" 5 الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب عليه. قاله أبو السعادات. وقال غيره: أي لا تمدحوني بالباطل، ولا تجاوزوا الحد في مدحي.
__________
1 سورة الأنفال آية: 34.
2 كان الشارح - رحمه الله - قد ذكرها بنقص السادسة والحادية عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة فاكتفينا بنص المصنف - - رحمه الله - لعدم التكرار.
3 حيث إن النبي أخبر -وهو الصادق- أن بعض هذه الأمة يتبع سنن أهل الكتاب في اتباع الهوى والقول على الله بلا علم، وابتداع دين لم يشرعه الله. فقد وقع ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام يطري النبي غاية الإطراء، فيعتقد فيه أنه يعلم الغيب وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. وقد نفى الله عنه ذلك في القرآن فقال: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) . (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) . فكفروا به واعتقدوا ما أوحته إليهم الشياطين. وكثير منهم يعتقدون أنه يتصرف في الدنيا بعد موته ويزور من شاء في المشارق والمغارب. وقد بلغت الوقاحة بالدجال أحمد التيجاني أن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر مجلس مكائه وتصديته ومجالس كل من اتبعه في طريقه الضال, فصار هؤلاء الزائفون إذا جلسوا للغط واللغو الذي يسمونه صلاة الفاتح, ويزعمون بوقاحتهم وفجورهم أن المرة الواحدة منها أفضل من القرآن ستة آلاف مرة. وينشرون ثوبا أبيض في وسط حلقتهم ليجلس عليه النبي والخلفاء, وإنما زعم الدجال التيجاني هذا تمويها على أشباه الأنعام العامة ليتبعوه على دجله وباطله، ويريهم أنه أتى بما لم يسبق إليه. وصدق فإنه لم يسبق إلى هذه الوقاحة في الكفر فنعوذ بالله من عمى القلوب, وشرع ما لم يأذن به الله. بل تكاد السموات يتفطرن منه. وبعضهم يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يزوره ويشرع له من الدين ما يخالف شرعه الذي أتمه الله وأكمله وارتضاه دينا قبل موته صلى الله عليه وسلم، ادعى ذلك الشعراني في كتاب العهود المحمدية. وزعم أن شيخه الخواص كان لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين، وهذا كله كذب وبهتان. فكم وقع بين الصحابة مع الخلافات ما كان أولى أن يجيئهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم ليرجعهم فيها إلى الصواب الذي يطفئ الفتنة، لو أمكن ظهوره. ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وبعضهم يعتقد أن السموات والأرض وما بينهما مملوءة بالنبي، ولو كشف عنا الحجاب لرأيناه عيانا; فإذا سمع أهل الغرور هذه الخرافة أفنوا أعمارهم في الخلوات يهمهمون ويزمزمون, وأنفقوا أموالهم كلها على الدجالين المشعوذين الذين أغووهم، كل ذلك طمعا في المحال أن يروا النبي عيانا مالئا السماء والأرض وما بينهما; وقد انجر بنا الكلام إلى ذكر شيء من باطلهم تحذيرا لمن لم يقع في حبائلهم وإنذارا لمن وقع، وهذا نزر يسير مما نعرفه عنهم، وهو مسطور في كتبهم وأساطيرهم المطبوعة المنشورة, وليعلم الناظر في هذا أني كنت على عقيدتهم الخبيثة سنين فأنقذني الله منها على يد بعض المصلحين، فاستيقظت من نوع البدعة الذميمة فلاحت لي أنوار شمس السنة, فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
4 تقدم تخريجه برقم [160] ولم يروه مسلم. وهذا الحديث مما انفرد به البخاري عن مسلم وراجع تخريجه والكلام عليه في شرح عشرون حديثا للبخاري ص (169 , 170) .
5 في قرة العيون: كما قال تعالى: (4: 171) (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) . قوله: "إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" أمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يتجاوزوا هذا القول. وقد أمر الله عباده بالصلاة والسلام عليه؛ لأن أشرف مقامات الأنبياء; العبودية الخاصة والرسالة.
الصفحة 225
518